22.05.2023

العنف لا يعرف حدودا

يؤثر الصراع في السودان على دول الجوار. نرصد تداعياته على الوضع في مصر وجنوب السودان

مصر

انصبّ حديث المقاهي في القاهرة حول احداث العنف التي اندلعت في السودان قبل أربعة أسابيع. حيث أثارت الصور المتداولة لاحتجاز نحو 30 جنديًا مصريًا في السودان لبعض الوقت من قبل ميليشيات الدعم السريع وواقعة مقتل دبلوماسي مصري في الخرطوم ضجة في مصر.

وقد كان هؤلاء الجنود المحتجزون في قاعدة مروي الجوية في شمال الخرطوم، التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية – رسميا في مهمة تدريبية تم الاتفاق عليها. غير أن قوات الدعم السريع والمراقبين الدوليين تنظر لوجودهم هناك على أنه دعم طويل الأمد للجيش السوداني بقيادة الجنرال البرهان. وقد خلقت هذه الصور المهينة التفافا وطنيا واسعا في نظر العديد من المصريين الذين لفتوا بمرارة الى أن ما يجمعهم ليس فقط القرب الجغرافي بل وأيضًا أواصر العلاقة الوطيدة بين البلدين المتجاورين.

فإلى جانب الحدود التي تمتدّ أكثر من 1200 كيلومتر في جنوب مصر، فالعلاقة الثنائية بين البلدين متعدّدة الأوجه فهما يتشاركان، تاريخيا، ليس فقط في الماضي الاستعماري ولكن أيضًا في التطورات السياسية التي شهدها العقد الماضي. غير أن اندلاع الصراع بين ميليشيات الدعم السريع والجيش السوداني أدّى بشكل مفاجئ إلى انهاء مسار هذه التطورات السياسية بقيادة الجيش السوداني - وهو السيناريو الذي كان قد ولّد ارتياحا لدى القيادة المصرية.

ولئن انصبّ الاهتمام على نجاح عملية إجلاء الموظفين الدوليين من السودان، فإنه لا يجب أن يغيب عنا توفير الحماية والدعم للاجئين السودانيين الوافدين الى مصر والدول المجاورة الأخرى.

وفي كل الأحوال، ليس لمصر أية مصلحة في زعزعة الاستقرار في السودان وتدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بوقف إطلاق النار بشكل دائم. إن حالة عدم اليقين السياسي على الحدود الجنوبية للبلاد وغرق السودان في أتون حرب أهلية هي أسوأ سيناريو بالنسبة لمصر. السودان، الذي يحد نهر النيل، ليس فقط حليفًا مهمّا لمصر في قضية مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير. فالقيادة المصرية تراهن على الجيش السوداني الذي تعتبره أفضل ضامن لمصالحها.

فاللعبة الجيوسياسية لمختلف الداعمين لطرفي الصراع السوداني وضعت القاهرة في مأزق دبلوماسي. فالإمارات العربية المتحدة، وهي حليف مهم لمصر، تدعم قوات الدعم السريع، وكذلك اللواء الليبي حفتر، الحليف الوثيق للقاهرة في النزاع الدائر في ليبيا. فمصر، التي تمر حاليا بأزمة اقتصادية ومالية خانقة، تعتمد على الاستثمار المتأتي من منطقة الخليج وخاصة من الإمارات العربية المتحدة. لذلك فإن الصراع في السودان له بعد سياسي داخلي أيضًا. وكل هذا يجعل الصراع أكثر احتداما بالنسبة للدبلوماسية المصرية. فعلى المدى القصير، يمكن لمصر أن تلعب دورًا مهمًا وبناءً، لا سيما في إقناع الجنرال حفتر بوقف أيّ تدفق للأسلحة من ليبيا إلى منطقة النزاع هناك. أما على المدى الطويل، ولتحقيق الاستقرار في المنطقة، سيكون من الضروري إشراك الأطراف المدنية الفاعلة في حل الصراع في السودان. والأكيد أن هذا يصبّ أيضًا في مصلحة مصر على المدى الطويل لأنه قد يساعد على تفادي سيناريو حرب أهلية بدأت نذرها تلوح في الأفق.

وقد أصبح الوضع على الحدود السودانية المصرية متوترا للغاية. إذ يقطع آلاف اللاجئين السودانيين رحلة طويلة ومكلفة من الخرطوم إلى القاهرة حيث بدأ الآلاف منهم بالتدفق على المنافذ الحدودية القليلة المشتركة بين مصر والسودان.

ساهم النزاع الحدودي بين البلدين حول مثلث حلايب الذي بقي معلقا دون حل في تقليص عدد نقاط العبور التي كان من الممكن إنشاؤها. وقدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن حوالي 50 ألف شخص اجتازوا الحدود باتجاه مصر في الأسابيع الأخيرة. فحتى قبل اندلاع الصراع، كان هناك حوالي خمسة ملايين سوداني مقيم في مصر، معظمهم منذ عشرات السنين. ومن بين هؤلاء، حوالي60,000  فقط مسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقد حصلوا على صفة لاجئ. لذلك تمثل الجالية السودانية - وخاصة تلك المقيمة في القاهرة - نقطة اتصال مهمة وهي تلعب دورًا مركزيًا في استقبال اللاجئين. ومع ذلك، لن يكون هذا ممكنًا على المدى الطويل.

وكلما طال الصراع، زادت أهمية الوقوف إلى جانب مصر ومنظمات الأمم المتحدة العاملة في مصر لدعم اللاجئين. فإلى جانب التركيز على إجلاء الموظفين الدوليين من السودان بنجاح، فلا يجب أن ننسى حماية الاجئين السودانيين في مصر والدول المجاورة الأخرى وتقديم الدعم لهم.

 

 

جنوب السودان

تشهد الحدود تدفقاً للاجئين الفارين مع وصول ما لا يقل عن 30 ألف شخص من الخرطوم ومنطقة غرب دارفور إلى جنوب السودان منذ اندلاع القتال هناك. وأغلب هؤلاء اللاجئين هم من جنوب السودان، وقد سبق لهم أن نزحوا نحو الشمال هربًا من العنف والصراع جنوب الحدود. وشهدت بلدة الرنك الحدودية الصغيرة، أين يتوافد معظم الفارين من الخرطوم، اكتظاظا باستقبال عدد هائل من الناس. وتعمل المنظمات الإنسانية على مساعدة الواصلين إلى المطار الصغير في بالويش لمواصلة رحلتهم إلى جوبا في أسرع وقت ممكن. ونظرا لعدم كفاية الرحلات الجوية ولمنع تفاقم أزمة إنسانية في المنطقة الحدودية، تدرس الحكومة حاليا استخدام المراكب على نهر النيل لنقل اللاجئين إلى أجزاء أخرى من جنوب السودان.

تُعرّض الأزمة السودانية عملية السلام في جنوب السودان للخطر.

كان لتوافد عشرات الآلاف من اللاجئين بسبب الحرب الدائرة بين الجنرالين السودانيين تداعيات جلية على الجار الجنوبي للبلاد. فلا تزال دولتي السودان مترابطتين بشدة حتى بعد حصول جنوب السودان على الاستقلال في عام 2011. غير أنّ أكثر ما يقلق الحكومة في جوبا هو خطر تدمير البنية التحتية لتصدير النفط في السودان عمداً أثناء القتال. حيث يشكل إنتاج النفط أكثر من 90 في المائة من عائدات حكومة جنوب السودان. ويذكر أن "الذهب الأسود" يصل إلى الأسواق العالمية عبر السودان، ولا يوجد خط أنابيب بديل. وحاليا يتحكّم الجيش الوطني السوداني في عائدات رسوم استخدام خطوط الأنابيب، وهو بلا شك قد يثير استياء ميليشيا الدعم السريع. فأي هجوم على خط الأنابيب سيكون له عواقب اقتصادية مدمّرة على جوبا.

وتشكو وزارة الإشراف من تدني سعر السوق لنفط جنوب السودان بسبب الوضع في السودان، حيث يستغل المشترون عدم الاستقرار في البلاد لخفض الأسعار. ومن المرجح أن تؤثر المصلحة المشتركة لحكومة جنوب السودان والجيش السوداني بقيادة الجنرال البرهان في الحفاظ على صادرات النفط بدورها على جهود السلام التي يبذلها رئيس جنوب السودان سلفا كير الذي يسعى للتوسط بين طرفي الصراع بدعوتهما إلى إجراء محادثات في جوبا، الا أنّ مساعيه لم تكلل بالنجاح الى حدّ الآن.

ويحذر الناشط الجنوب سوداني إدموند ياكاني من أن الأزمة في السودان تهدد أيضًا عملية السلام في جنوب السودان. حيث يمثل السودان أحد الضامنين الإقليميين لاتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية رسميًا في عام 2018 والفاعل الأقوى نفوذاً على أحزاب السلام في جوبا. ويتمثل الخطر الراهن في مواصلة الأطراف عرقلة عملية السلام من ناحية – ومن ناحية أخرى، توجيه كل تركيز المجتمع الدولي واللاعبين الإقليميين الآخرين فقط على السودان. بالإضافة إلى ذلك، يهدد عدم الاستقرار في السودان بتدفق المزيد من الأسلحة الصغيرة عبر الحدود، في حين أن التبادل النشط للسلع اليومية بين الشمال والجنوب يواجه مصاعب، مما فاقم أزمة الإمدادات.

جميع الأطراف في معاهدة سلام جنوب السودان، وكذلك الجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة الانتقالية، لها صلات مع مختلف اللاعبين من المدنيين والمسلحين في السودان. الا أنّ الكيفية التي سينتهي بها الصراع والجهة التي سيكون له الغلبة واليد العليا في نهاية المطاف سيؤثر بشكل مباشر على ديناميكيات السلطة في السجال السياسي الدائر في جوبا وعلى مشهد الصراع في البلاد بشكل أوسع. وفي حال استمر الصراع وأخذ في التوسّع، قد يتجه الطرفين الى تجنيد قوات متحمسة للقتال منتمية لمشهد الصراع المفكك في جنوب السودان، والتي من المحتمل أن تعود لاحقًا محمّلة بمزيد من الأسلحة والخبرة القتالية والدعم السياسي الخارجي الجديد.

 

 

               

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de