25.08.2023

الأزمة الاقتصادية اللبنانية وانعكاساتها على الشباب

لا يخفى على أحد أن لبنان كان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من حوالي 55 مليار دولار أمريكي في عام 2018 إلى 20 مليار دولار أمريكي في عام 2021.

وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي إلى جانب عوامل سياسية مهمة إلى نقص المعدّات الطبية، والانخفاض الحاد في قيمة العملة، والتقلب المستمر في أسعار الوقود بالإضافة إلى السلع الأساسية الأخرى. في ضوء هذه الأزمة الغير المسبوقة، أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة فريدريش إيبرت أن الشباب هم من بين الفئات الأكثر تضررًا من الوضع الحالي. فقد أضحى بذلك ضروريا إلقاء نظرة متعمقة على تأثير الأزمة الحالية على الأجيال الشابة.

تظهر نتائج دراسة الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي أجرتها مؤسسة فريدريش إيبرت مؤخرًا مدى خطورة الوضع. في الواقع، بيّنت تحاليل نتائج الاستطلاع الذي أجراه ميشال الدويهي في لبنان أن العديد من الشباب يعتبرون وضعهم الاقتصادي الشخصي " على الأقل سيئًا إلى حد ما، مع ارتفاع طفيف في نسبة الذكور عن الإناث". علاوة على ذلك، تختلف هذه النتائج ليس فقط بناءً على جنس المستجيبين ولكن أيضًا على مستوى تعليمهم "مع اعتبار أن الوضع الاقتصادي الشخصي لأغلبية أولئك الذين لديهم مستويات تعليمية منخفضة سيئ إلى حد ما، في حين أنه كان أعلى قليلاً بالنسبة لأولئك الذين لديهم مستويات تعليم متوسطة إلى عالية ". كما تجدر الإشارة بأن الشباب يواجهون أيضًا العديد من الصعوبات في متابعة شهاداتهم التعليمية حيث رفعت الجامعات الرائدة في البلاد (المؤسسات الخاصة بشكل أساسي) مصاريفها الدراسية إلى مستويات غير مسبوقة، مما أجبر العديد من الطلاب على الانقطاع عن الدراسة. علاوة على ذلك، واجه الطلبة الذين اختاروا جامعات بديلة بأسعار معقولة صعوبات حيث أن المؤسسات التعليمية العمومية تتحمل هي أيضا نصيبها الخاص من المعاناة.

بهدف تحقيق الشعور بالأمن المالي، يشتغل العديد من المواطنين اللبنانيين، وخاصة منهم الشباب، وظائف متعددة ويعتمدون على مصادر دخل مختلفة. يعمل الطلاب في لبنان، سواء في الجامعة أو على مستوى المدرسة، على التوفيق بين العمل والدراسة، وغالبًا ما يقومون بأكثر من وظيفة واحدة في نفس الوقت. بسبب عدم كفاية الأجور وعدم قدرتها على تغطية الاحتياجات الأساسية، أصبح تنويع الدخل ضرورة. ومع ذلك، على الرغم من العمل في العديد من الوظائف، وفقًا لدراسة الشباب لمؤسسة فريدريش إيبرت "86٪ من الشباب" ما زالوا يجدون أنفسهم غير قادرين على ادخار المال. تسلط الدراسة الضوء على ثلاثة مصادر لدخل الشباب: عملهم الخاص، أو الدعم المالي من أفراد الأسرة، أو المنح الدراسية المتعلقة بدراساتهم. كما يسلط الضوء على ديناميكيات القوة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في المجتمع اللبناني. من منظور النوع الاجتماعي، ذكر المجيبون الذكور بأغلبية ساحقة أن عملهم هو المصدر الأساسي لدخلهم، بينما تعتمد المستجوبات بشكل أساسي على أسرهن للحصول على المساعدة المالية، مما يشير إلى مستوى أعلى من التبعية والضعف.

بعد تقييم الوضع الاقتصادي العام والصعوبات التي يواجهها جيل الشباب، دعونا نناقش الموضوع من منظور تحليلي أكثر تعمقًا: هل التحديات التي تواجه الشباب اليوم مرتبطة بشكل بحت بالوضع الاقتصادي في الدولة؟ أم أنها مرتبطة أيضًا بهيكل سوق الشغل؟ هل هناك أوجه تشابه بين هيكل سوق الشغل وهيكل النظام السياسي؟ ماذا عن الجانب الثقافي وأثره على اتخاذ القرار لدى الشباب؟

هيكل سوق الشغل المهتز

اتسم سوق الشغل في لبنان بِسِمَة غيررسمية، وعدم الاستقرار، وانخفاض معدل التوظيف، ونقص الوظائف المتاحة، وهجرة العقول، والأجور الغير العادلة والغير المتكافئة، والفصل المهني، وعدم تطابق المهارات. في ضوء الأزمة الاقتصادية الحالية، يواجه سوق الشغل اللبناني تحديات كبيرة مرتبطة إلى حد كبير بالاضطرابات السياسية في البلاد. في الواقع، اتسم هيكل الأنظمة الحكومية في لبنان بالتدهور وعدم الاستقرار والفساد وسوء الإدارة، وهو ما يشبه إلى حد بعيد هيكل سوق الشغل الذي اهتز بشدة خلال السنوات القليلة الماضية.

علاوة على ذلك، يعتبر الشباب من بين أكثر "المستغلين" من قبل الهياكل العمالية في البلاد. أفاد العديد من الشباب العاملين أنهم لم يوقعوا عقود عمل، كما ارتفع هذا العدد بين العاملات أيضا. علاوة على ذلك، تم تسجيل عنف تشغيل الأطفال كقضية بارزة بين الأطفال العاملين مع استمرار غياب تدابير السلامة والمساءلة. إضافة إلى ذلك، يعاني معظم الشباب من ظروف عمل سيئة. بشكل عام، كان وضع الشباب في سوق العمل مقلقًا، لا سيما خلال السنوات الأخيرة. تواجه الأجيال الشابة العاملة الاستغلال والعنف وتتحمل الكثير من المسؤولية في سن مبكرة مما يؤثر سلبًا على صحتهم العقلية.

الجانب الثقافي

يعود التصور الاجتماعي لسوق الشغل إلى سنوات عديدة ولا يزال يؤثر على قرارات الشباب في السعي وراء الوظائف (رسم خط بين الوظائف "المقبولة اجتماعيًا" مقابل تلك "غير المقبولة اجتماعيًا"). أتذكر عندما أعربت علنًا عن نيتي في متابعة درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والشؤون الدولية. ما زلت أتذكر وجوه أفراد عائلتي وجيراني حتى يومنا هذا. لقد صُدموا إلى حد كبير: "هل تريد متابعة ماذا؟" في مجتمعنا، إما أن تكون محاميًا أو طبيبًا أو مهندسًا أو لا شيء!

تلعب الثقافة في لبنان من خلال جوانبها الفطرية والطبقية والتمييزية دورًا مهمًا في التأثير على الخيارات المهنية للشباب. لقد أدى هذا النموذج الاجتماعي، بالفعل، إلى شل سوق العمل مع اتساع الفجوة بين متطلبات الشغل، والتوافر، والفرص والمهارات. وبالتالي، كانت هناك حاجة متزايدة لنشر الوعي حول أهمية التوجيه الوظيفي للشباب وأهمية وجود وظائف متنوعة.

خاتمة

بشكل عام، يواجه جيل الشباب العديد من المصاعب. يؤثر الوضع الاقتصادي والتأثيرات الثقافية وهيكل سوق العمل المهتز بشكل كبير على قراراتهم المهنية وسبل عيشهم. تتدهور الصحة النفسية للشباب في لبنان حيث تم تسجيل زيادة في معدل انعزال الشباب والقلق والاكتئاب. العديد من الشباب الموهوبين يغادرون البلاد نهائياً بينما يبقى الآخرون عالقين في حالة من عدم اليقين والضياع. على الجانب الأكثر إشراقًا، اتخذ العديد من الشباب زمام المبادرة لبدء أعمال تجارية صغيرة، ولكن هل ستستمر هذه الأعمال في مثل هذه البيئة المتقلبة؟

باختصار، كان من الواضح أن الأزمة الاقتصادية الحالية لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل وضع الشباب. إلا أن هذه الأزمة الاقتصادية كانت نتيجة سنوات عديدة من سوء الإدارة وضعف هيكل المؤسسات الحكومية. وبالمثل، فإن التحديات التي يواجهها الشباب اليوم لا تتعلق فقط بالعوامل السابقة ولكن أيضًا بنقص التوجيه والتقييم الدقيق للاحتياجات والفرص في سوق العمل. لذلك، هناك حاجة ملحة لإجراء تقييم شامل ومفصل لسوق الشغل وزيادة الوعي بأهمية تزويد الشباب بالتوجيه المهني الصحيح في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.

لقراءة الدراسة ومعرفة المزيد عن مشروع دراسة الشباب الإقليمي: 

https://mena.fes.de/ar/topics/youth-study

 

--------------------------------------------------------------------------

[1] UNDP, “Lebanon's youth: Barriers for growth and unfolding opportunities”, 2022 ,https://www.undp.org.

[2] Ibid.

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de