لا يخفى على أحد أن لبنان كان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من حوالي 55 مليار دولار أمريكي في عام 2018 إلى 20 مليار دولار أمريكي في عام 2021.
وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي إلى جانب عوامل سياسية مهمة إلى نقص المعدّات الطبية، والانخفاض الحاد في قيمة العملة، والتقلب المستمر في أسعار الوقود بالإضافة إلى السلع الأساسية الأخرى. في ضوء هذه الأزمة الغير المسبوقة، أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة فريدريش إيبرت أن الشباب هم من بين الفئات الأكثر تضررًا من الوضع الحالي. فقد أضحى بذلك ضروريا إلقاء نظرة متعمقة على تأثير الأزمة الحالية على الأجيال الشابة.
تظهر نتائج دراسة الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي أجرتها مؤسسة فريدريش إيبرت مؤخرًا مدى خطورة الوضع. في الواقع، بيّنت تحاليل نتائج الاستطلاع الذي أجراه ميشال الدويهي في لبنان أن العديد من الشباب يعتبرون وضعهم الاقتصادي الشخصي " على الأقل سيئًا إلى حد ما، مع ارتفاع طفيف في نسبة الذكور عن الإناث". علاوة على ذلك، تختلف هذه النتائج ليس فقط بناءً على جنس المستجيبين ولكن أيضًا على مستوى تعليمهم "مع اعتبار أن الوضع الاقتصادي الشخصي لأغلبية أولئك الذين لديهم مستويات تعليمية منخفضة سيئ إلى حد ما، في حين أنه كان أعلى قليلاً بالنسبة لأولئك الذين لديهم مستويات تعليم متوسطة إلى عالية ". كما تجدر الإشارة بأن الشباب يواجهون أيضًا العديد من الصعوبات في متابعة شهاداتهم التعليمية حيث رفعت الجامعات الرائدة في البلاد (المؤسسات الخاصة بشكل أساسي) مصاريفها الدراسية إلى مستويات غير مسبوقة، مما أجبر العديد من الطلاب على الانقطاع عن الدراسة. علاوة على ذلك، واجه الطلبة الذين اختاروا جامعات بديلة بأسعار معقولة صعوبات حيث أن المؤسسات التعليمية العمومية تتحمل هي أيضا نصيبها الخاص من المعاناة.
بهدف تحقيق الشعور بالأمن المالي، يشتغل العديد من المواطنين اللبنانيين، وخاصة منهم الشباب، وظائف متعددة ويعتمدون على مصادر دخل مختلفة. يعمل الطلاب في لبنان، سواء في الجامعة أو على مستوى المدرسة، على التوفيق بين العمل والدراسة، وغالبًا ما يقومون بأكثر من وظيفة واحدة في نفس الوقت. بسبب عدم كفاية الأجور وعدم قدرتها على تغطية الاحتياجات الأساسية، أصبح تنويع الدخل ضرورة. ومع ذلك، على الرغم من العمل في العديد من الوظائف، وفقًا لدراسة الشباب لمؤسسة فريدريش إيبرت "86٪ من الشباب" ما زالوا يجدون أنفسهم غير قادرين على ادخار المال. تسلط الدراسة الضوء على ثلاثة مصادر لدخل الشباب: عملهم الخاص، أو الدعم المالي من أفراد الأسرة، أو المنح الدراسية المتعلقة بدراساتهم. كما يسلط الضوء على ديناميكيات القوة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في المجتمع اللبناني. من منظور النوع الاجتماعي، ذكر المجيبون الذكور بأغلبية ساحقة أن عملهم هو المصدر الأساسي لدخلهم، بينما تعتمد المستجوبات بشكل أساسي على أسرهن للحصول على المساعدة المالية، مما يشير إلى مستوى أعلى من التبعية والضعف.
بعد تقييم الوضع الاقتصادي العام والصعوبات التي يواجهها جيل الشباب، دعونا نناقش الموضوع من منظور تحليلي أكثر تعمقًا: هل التحديات التي تواجه الشباب اليوم مرتبطة بشكل بحت بالوضع الاقتصادي في الدولة؟ أم أنها مرتبطة أيضًا بهيكل سوق الشغل؟ هل هناك أوجه تشابه بين هيكل سوق الشغل وهيكل النظام السياسي؟ ماذا عن الجانب الثقافي وأثره على اتخاذ القرار لدى الشباب؟
هيكل سوق الشغل المهتز
اتسم سوق الشغل في لبنان بِسِمَة غيررسمية، وعدم الاستقرار، وانخفاض معدل التوظيف، ونقص الوظائف المتاحة، وهجرة العقول، والأجور الغير العادلة والغير المتكافئة، والفصل المهني، وعدم تطابق المهارات. في ضوء الأزمة الاقتصادية الحالية، يواجه سوق الشغل اللبناني تحديات كبيرة مرتبطة إلى حد كبير بالاضطرابات السياسية في البلاد. في الواقع، اتسم هيكل الأنظمة الحكومية في لبنان بالتدهور وعدم الاستقرار والفساد وسوء الإدارة، وهو ما يشبه إلى حد بعيد هيكل سوق الشغل الذي اهتز بشدة خلال السنوات القليلة الماضية.
علاوة على ذلك، يعتبر الشباب من بين أكثر "المستغلين" من قبل الهياكل العمالية في البلاد. أفاد العديد من الشباب العاملين أنهم لم يوقعوا عقود عمل، كما ارتفع هذا العدد بين العاملات أيضا. علاوة على ذلك، تم تسجيل عنف تشغيل الأطفال كقضية بارزة بين الأطفال العاملين مع استمرار غياب تدابير السلامة والمساءلة. إضافة إلى ذلك، يعاني معظم الشباب من ظروف عمل سيئة. بشكل عام، كان وضع الشباب في سوق العمل مقلقًا، لا سيما خلال السنوات الأخيرة. تواجه الأجيال الشابة العاملة الاستغلال والعنف وتتحمل الكثير من المسؤولية في سن مبكرة مما يؤثر سلبًا على صحتهم العقلية.
الجانب الثقافي
يعود التصور الاجتماعي لسوق الشغل إلى سنوات عديدة ولا يزال يؤثر على قرارات الشباب في السعي وراء الوظائف (رسم خط بين الوظائف "المقبولة اجتماعيًا" مقابل تلك "غير المقبولة اجتماعيًا"). أتذكر عندما أعربت علنًا عن نيتي في متابعة درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والشؤون الدولية. ما زلت أتذكر وجوه أفراد عائلتي وجيراني حتى يومنا هذا. لقد صُدموا إلى حد كبير: "هل تريد متابعة ماذا؟" في مجتمعنا، إما أن تكون محاميًا أو طبيبًا أو مهندسًا أو لا شيء!
تلعب الثقافة في لبنان من خلال جوانبها الفطرية والطبقية والتمييزية دورًا مهمًا في التأثير على الخيارات المهنية للشباب. لقد أدى هذا النموذج الاجتماعي، بالفعل، إلى شل سوق العمل مع اتساع الفجوة بين متطلبات الشغل، والتوافر، والفرص والمهارات. وبالتالي، كانت هناك حاجة متزايدة لنشر الوعي حول أهمية التوجيه الوظيفي للشباب وأهمية وجود وظائف متنوعة.
خاتمة
بشكل عام، يواجه جيل الشباب العديد من المصاعب. يؤثر الوضع الاقتصادي والتأثيرات الثقافية وهيكل سوق العمل المهتز بشكل كبير على قراراتهم المهنية وسبل عيشهم. تتدهور الصحة النفسية للشباب في لبنان حيث تم تسجيل زيادة في معدل انعزال الشباب والقلق والاكتئاب. العديد من الشباب الموهوبين يغادرون البلاد نهائياً بينما يبقى الآخرون عالقين في حالة من عدم اليقين والضياع. على الجانب الأكثر إشراقًا، اتخذ العديد من الشباب زمام المبادرة لبدء أعمال تجارية صغيرة، ولكن هل ستستمر هذه الأعمال في مثل هذه البيئة المتقلبة؟
باختصار، كان من الواضح أن الأزمة الاقتصادية الحالية لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل وضع الشباب. إلا أن هذه الأزمة الاقتصادية كانت نتيجة سنوات عديدة من سوء الإدارة وضعف هيكل المؤسسات الحكومية. وبالمثل، فإن التحديات التي يواجهها الشباب اليوم لا تتعلق فقط بالعوامل السابقة ولكن أيضًا بنقص التوجيه والتقييم الدقيق للاحتياجات والفرص في سوق العمل. لذلك، هناك حاجة ملحة لإجراء تقييم شامل ومفصل لسوق الشغل وزيادة الوعي بأهمية تزويد الشباب بالتوجيه المهني الصحيح في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.
لقراءة الدراسة ومعرفة المزيد عن مشروع دراسة الشباب الإقليمي:
https://mena.fes.de/ar/topics/youth-study
--------------------------------------------------------------------------
[1] UNDP, “Lebanon's youth: Barriers for growth and unfolding opportunities”, 2022 ,https://www.undp.org.
[2] Ibid.
Share your ideas with our team!
info.mena@fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/