منذ الإصدار الأول للدينار الليبي عام 1952، اتبعت ليبيا نظام ربط قيمة الدينار بالعملة الأجنبية، في البداية بالجنيه الإسترليني، ثم بالدولار الأمريكي، وأخيراً بوحدة حقوق السحب الخاصة (SDR) - وهي العملة التي بدأ صندوق النقد الدولي بإصدارها منذ 1970 - حيث تم تحديد قيمة الدينار في مارس 1986 بما يعادل 2.8 وحدة حقوق سحب خاصة.
في مايو من العام نفسه، تم تخفيض قيمة الدينار ليساوي 2.60645 وحدة حقوق سحب خاصة. كما طرأ تخفيض آخر عام 2003 بمعدل 15%، لتتراجع قيمة الدينار إلى ما يعادل 0.5175 وحدة حقوق سحب خاصة، أما آخر تخفيض للدينار فجرى مطلع هذا العام بتاريخ 3 يناير 2021، حيث تم تخفيض القيمة الرسمية للدينار إلى 0.1555 حقوق سحب خاصة.
في العقد الأول من هذا القرن، كانت القيمة التعادلية للدينار الليبي مستقرة إلى حد ما، ولم يكن ذلك نتيجة للسياسة الاقتصادية الحكيمة للدولة، بل نتيجة ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق الدولية، حيث فاق سعر برميل النفط 100 دولار في بعض الفترات. لكن عندما انخفضت أسعار النفط عام 2013، انكشفت عشوائية سياسات المصرف المركزي والحكومة معاً، وظهرت أكثر مشاكل وتعقيدات الاقتصاد الليبي.
وكان مما أسهم في هذه المشاكل والتعقيدات، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط، الانقسام الحاد على المستويين السياسي والاقتصادي. ففي أواخر عام 2014، انقسمت الحكومة إلى حكومتين: واحدة في الغرب والأخرى في الشرق؛ كما انقسم المصرف المركزي كذلك إلى مصرفين مركزيين يحملان الاسم نفسه أي «مصرف ليبيا المركزي»، لكن بمُحافِظَين وإدارتين مختلفتين.
أدى الانقسام الجديد في البلاد إلى مشاكل جديدة، لعل أهمها تدني قيمة الدينار مقابل الدولار وغيره من العملات الأجنبية، فضلاً عن عجز المصارف عن توفير السيولة النقدية لتغطية الحسابات الجارية لديها، ونمو السوق السوداء للعملات الأجنبية، حيث ارتفع سعر الدولار في هذه السوق بأكثر من خمسة أضعاف سعره الرسمي، وزيادة الإنفاق العام، وارتفاع مستوى التضخم إلى معدلات غير مسبوقة تجاوزت في بعض السنوات 28%.
تكمن المشكلة المالية الليبية - سواء من جانب الحكومة أو المصرف المركزي - في الخلط بين مختلف أهداف السياسات الاقتصادية، إذ لا يراعي أي من الطرفين ضرورة وجود هدف محدد لكل سياسة اقتصادية، سواء كانت نقدية أم مالية أم تجارية. لذلك يتم مثلاً خفض قيمة الدينار بهدف زيادة الموارد المالية للميزانية العامة، وبالتالي زيادة الإنفاق العام، دون النظر في أثر ذلك على ميزان المدفوعات. كذلك تعمل كل مؤسسة دون تنسيق مع غيرها من المؤسسات، سواء تحدثنا عن مصرف ليبيا المركزي، أو وزارة المالية، أو وزارة الاقتصاد، وهو ما يؤدي لإغفال ما تتركه أدوات أي سياسة متّبعة من آثار سلبية على القطاعات الأخرى.
لم تكن لدى الحكومة أو لدى المصرف المركزي رؤية واضحة أو سليمة لمعالجة المشاكل التي يمكن حلّها في المدى القصير، ناهيك عن مشاكل أخرى في الاقتصاد الليبي - مثل تفشّي البطالة - تحتاج وقتاً أطول وسياسات سليمة ومتماسكة. وقد اتخذ كل من المصرف المركزي والحكومة في 2018 سياسات عشوائية سمّياها «برنامج الإصلاح الاقتصادي».
تمثل «البرنامج» من جهة أولى في بيع المصرف المركزي 500 دولار سنوياً لكل فرد ولجميع الأعمار بالسعر الرسمي، وهو نحو 1.4 دينار للدولار الواحد، فيما يعرف بمنحة أرباب الأسر، ثم تم رفع المبلغ فيما بعد في 2019 إلى 1000 دولار للفرد. اعتبر المصرف المركزي ذلك تعويضاً للمواطن عن آثار التضخم، فيما كان الأخير يبيع هذه الدولارات في السوق السوداء بنحو أربعة أضعاف سعر المصرف المركزي. وهو يعني أن المصرف المركزي يغذّي وجود السوق السوداء التي يجدر به محاربتها.
من جهة ثانية، قامت الحكومة منذ أكتوبر 2018 بفرض ضريبة على بيع العملة الأجنبية من المصرف المركزي نسبتها 183% من السعر الرسمي، ليرتفع سعر الدولار للراغبين بشرائه حوالي 3.85 دينار، بينما يبلغ سعر الدولار الرسمي لدى الحكومة 1.4 دينار فقط. لكن الحكومة خفّضت هذه الضريبة إلى 163% في يوليو 2019، ليباع الدولار بنحو 3.65 دينار. ولكن نتيجة لتفشي الفساد في أجهزة الدولة، لم يُفرَض السعر مع الضريبة على الجميع، بل وُجدت استثناءات لبعض الأشخاص والجهات، والتي حصلت على الدولار بالسعر الرسمي دون أي ضريبة.
وفي مطلع هذا العام، قام المصرف المركزي في 3 يناير 2021 بإجراء عشوائي وهو تخفيض القيمة الرسمية للدينار بنحو 70%، وذلك من 0.15175 وحدة حقوق سحب خاصة للدينار الواحد إلى 0.1555 وحدة، ما يعني رفع قيمة الدولار الواحد بنحو 220% من 1.4 دينار إلى 4.48 دينار. سيؤدي هذا الإجراء إلى توفير سيولة نقدية في المدى القصير، وإلى توفر أموال غزيرة لدى الخزانة العامة نتيجة ارتفاع قيمة الدولار الذي تحصل عليه الحكومة من تصدير النفط، ولعل ذلك هو السبب الحقيقي غير المعلن وراء خفض قيمة الدينار. إلا أن هذه الخطوة لم تُدرَس آثارها جيداً على مستويات أخرى. فبالنسبة للمواطنين من ذوي الدخول الثابتة، والذين يتقاضون أجوراً ومرتبات، ستنخفض دخولهم الحقيقية بنفس معدل انخفاض قيمة الدينار، أما بالنسبة لسوق السلع فسيؤدي هذا الإجراء إلى زيادة عمليات التهريب، ولا سيما تهريب البنزين.
إن ما لم تراعِه الحكومة ولا المصرف المركزي هو أن تخفيض قيمة الدينار يجب أن يترافق مع برنامج إصلاحي شامل، يتمثل في تفعيل أدوات السياستين النقدية والمالي، لضبط الإنفاق بالعملتين المحلية والأجنبية والسيطرة على عرض النقود، ومحاربة الفساد في أجهزة الدولة ومنع الاحتكار، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وخصخصة القطاع العام، وغير ذلك من الإصلاحات الضرورية، حتى يؤدي كل ذلك إلى تنويع مصادر الدخل - ما يعني تجنب الاعتماد على دخل تصدير النفط الخام وحده - وكذلك استقرار الأسعار وخفض معدل البطالة المرتفع. عندها سوف تستقر القيمة التعادلية للدينار ويتم التخلص من السوق الموازية والتشوهات في الاقتصاد. كل ذلك يتطلب وجود إدارة كفؤة لإدارة اقتصاد البلد، وهو ما تفتقده ليبيا الآن بكل أسف.
###
أ.د. عطية المهدي الفيتوري أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي
Share your ideas with our team!
info.mena@fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/