17.04.2020

ليبيا... فايروس كورونا يوفر غطاءً لطرفي النزاع للتصعيد

قد لا يبدو أن ليبيا تشهد انتشارا قويًا لفايروس كورونا في الوقت الحالي، إذ تم تأكيد 61 حالة إصابة حتى بدايات شهر مايو، وتم تسجيل أول حالة في 17 مارس. لكن قدرات الاختبار منخفضة، وقد يكون سياق الحرب الأهلية بمثابة غطاء لانتشار الفيروس بصمت.

TRIPOLI, March 25, 2020 - A UN-backed Government of National Accord (GNA) fighter with a mask fires at LNA forces during clashes at Ain-Zara frontline in Tripoli, Libya, March 25, 2020. (Photo by Amru Salahuddien)

ليبيا دولة مقسمة اليوم، تسيطر "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها دوليًا بشكل أساسي على العاصمة طرابلس، وبعض المدن المحيطة بها. في حين أن "الجيش الوطني الليبي" والذي تم تغيير اسمه مؤخرا إلى قوات الجيش العربي الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر يسيطر على معظم مناطق الشرق والجنوب. وسرعان ما فرضت السلطتان حظر تجوال على المواطنين في مناطق سيطرتهما لقمع انتشار الفيروس. يعمل المركز الوطني لمكافحة الأمراض، الذي يعتبر جزءًا من حكومة الوفاق الوطني في جميع أنحاء ليبيا. لكن بسبب الموجة الأخيرة من الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عام والتي دمرت البلاد، فإن تفشي الفيروس على الصعيد العالمي يلعب مع تداعيات أكثر قتامة في ليبيا، فهو يوفر غطاءً للتصعيد العسكري.

بعد فترات طويلة من الجمود والعديد من جولات المفاوضات الفاشلة، كان من المتوقع أن يتصعد الصراع من جديد. حتى بعد "مؤتمر برلين" الذي استضافته أنجيلا ميركل في يناير ،2020 وسعى إلى جمع كل الداعمين الأجانب للفصائل الليبية المتحاربة للمرة الأولى. كما استقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة في شهر مارس 2020. منذ هذا الانهيار لجهود السلام الدولية، حصل طرفا الصراع على دعم عسكري كبير من الخارج. دعمت تركيا حكومة الوفاق الوطني بطائرات بدون طيار وأسلحة مضادة للطائرات، مما كسر ميزة قوات حفتر الجوية. في الوقت نفسه، بدأت الإمارات في إرسال الإمدادات العسكرية إلى الجيش الوطني الليبي عن طريق الجو، وهي إضافة لمصر وروسيا أهم داعمي حفتر الدوليين.

مع تزويد كلا الجانبين بشكل جيد بالأسلحة وداعمين دوليين في صفهم، أتاحت أزمة فايروس كورونا فرصة ممتازة للتصعيد العسكري. منذ ذلك الحين، تحول الاهتمام الدولي في الأغلب لمواجهة الأزمة الصحية، لذلك صعدت القوات الخاضعة لحكومة الوفاق الوطني والجيش العربي الليبي العمليات العسكرية دون مخاوف من تداعيات دبلوماسية. وفي مثل هذا السياق، فإن أي خطة احتواء وطنية جادة محكوم عليها بالفشل. وسرعان ما بدأ الطرفان بإلقاء اللوم على بعضهما البعض "بإدخال الفيروس إلى ليبيا من خلال المرتزقة الأجانب". كما أصدر الجانبان تصريحات لجنودهما بعدم استخدام أي معدات عسكرية أو أسلحة تم حيازتها من الخصوم، خشية أنه لم يتم تطهيرها بشكل صحيح. وهكذا أصبح فايروس كورونا أحدث إضافة إلى حرب معلومات مستمرة تهدف إلى تشويه سمعة المعسكر المعارض.

ولكن حتى قبل جولات القتال الأخيرة، كانت ليبيا غير مستعدة لمواجهة جائحة مثل فايروس كورونا المستجد. لقد أهلكت الحرب النظام الصحي، المتاح عادة مجانًا لكل مواطن، وتضررت العديد من المرافق الصحية وأغلقت. هناك نقص في الموظفين المتخصصين ومعدات الحماية، في حين أن أسرّة المستشفيات المتبقية يشغلها المقاتلون والمدنيون الذين أصيبوا بسبب الحرب. اعتاد الليبيون على طلب العلاج الطبي في البلدان المجاورة مثل تونس أو مصر، ولكن بعد إغلاق جميع الحدود البرية والبحرية، أصبح ذلك مستحيلاً. في طرابلس، تم إغلاق المستشفى الذي كان من المتوقع أن يعالج مرضى فايروس كورونا حاليًا بعد تعرضه لقصف من قبل الجيش العربي الليبي لمدة ثلاثة أيام.

إذا لم يكن هذا الوضع كافيا لإثارة المخاوف، فقد تم قطع إمدادات المياه للعاصمة طرابلس وسكانها الثلاثة ملايين. منعت القوات الموالية لحفتر شبكة "النهر الصناعي العظيم" التي تزود طرابلس بالمياه العذبة من طبقات المياه الجوفية في الصحراء في أوائل أبريل. بعد أيام، تم مهاجمة وإغلاق مصنع للغاز، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل متقطع في طرابلس. يتم ارتكاب جرائم الحرب تحت غطاء تفشي الفيروس. مع قصف متكرر للمناطق المدنية، يواجه الكثيرون خيارًا صعبًا بين البقاء في منازلهم وبين التعرض للقصف أو مغادرة منزلهم والتعرض للفيروس.

تلقى الوضع الاجتماعي في ليبيا ضربة قوية بنفس القدر: فقد أدى القتال، حتى قبل التصعيد الأخير، إلى تشريد حوالي 150 ألف شخص. وتضررت مصادر دخل معظم الليبيين بشدة في عام من القتال، حيث سيؤدي الإغلاق الحالي وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى دفع العديد من الأسر إلى الفقر. والأسوأ من ذلك هو وضع عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين معظمهم من جنوب الصحراء، الذين حشروا في مراكز الاعتقال بعد احتجازهم على البحر الأبيض المتوسط من قبل خفر السواحل الليبي المدعوم من الاتحاد الأوروبي. إذا وصل فايروس كورونا إلى مراكز احتجاز المهاجرين، حيث الظروف الإنسانية والصحية سيئة بالفعل، فإن العواقب ستكون كارثية.

###

توماس كلاس، مدير مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في ليبيا

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de