COP27: العدالة المناخية بدون إجراءات مناخية
لم يكن من المتوقع أن يكون المؤتمر السابع والعشرون للأطراف (COP) في شرم الشيخ الشهر الماضي ذو طابعاً مميزاً كما ولم يكن من المتوقع أن يتم الإعلان عن أي نتائج مهمة أيضًا. خصوصاً وأنه بعد مفاوضات COP26 في جلاسكو العام السابق، والانتهاء من تقديم قواعد اتفاق باريس، لم يتبق سوى القليل من القضايا التفاوضية لعام 2022. وهذا يعني أن COP27 كان أول قمة مناخية حيث بدأ الاهتمام يتحول من تحديد الهدف إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه حتى الآن. استفادت رئاسة COP27 من هذا التحول ووصفت القمة بأنها "مؤتمر الأطراف التنفيذي"، وهي قمة مناخ لا نحتاجها ان تتصدر العناوين الرئيسية، ولكنها قمة تتخذ فيها الخطوات الأولى نحو البدء في تنفيذ اتفاقية باريس.
قبل القمة، أعلنت رئاسة COP27 عن هدفها المتمثل في تحقيق تقدم في جميع القضايا الرئيسية تحت مظلة العمل المناخي متضمنة ما يلي: التخفيف وخفض انبعاثات الكربون، والتكيف مع آثار تغير المناخ، وتمويل العمل المناخي في البلدان النامية، وتعويض الخسائر والاضرار للبلدان المتضررة من تغير المناخ. ومع ذلك فإن معظم التركيز كان على الجوانب التمويلية لهذه القضايا. ولكن، كون التركيز الأساسي على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ترجم ذلك الى تقليل التركيز على تسريع عملية التخفيف وزيادة الطموح من أجل الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، حيث انه قبل مؤتمر COP27 قامت 30 دولة فقط بتحديث مساهماتها الوطنية المحددة، والتي هي تعهدات العمل المناخي بموجب اتفاقية باريس لكل دولة.
بالنظر إلى أهداف رئاسة COP27 وجدول الأعمال الذي تم وضعه من قبل الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ للمؤتمر، كان من المتوقع أن يحقق التكيف بعض التقدم خصوصاً فيما يتعلق في الهدف العالمي للتكيف المقرر البت فيه العام المقبل. كان من المتوقع أيضًا أن يتقدم تمويل المناخ وذلك في حيثية في وضع هدف تمويل عالمي جديد مستحق في عام 2024. وكان من المتوقع حدوث تقدم قليل في "برنامج عمل التخفيف" والمقرر الانتهاء منه في عام 2026، في حين لم يكن من المتوقع أن تحرز الخسائر والأضرار أي تقدم خاصة بالنظر إلى أنها لم تكن ضمن جدول أعمال مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
حل وسيط مفاجئ
لمفاجأة العديد من المراقبين والمشاركين، تمكنت رئاسة COP27 من إدراج الخسائر والأضرار في جدول الأعمال في اليوم الأول من المؤتمر. والأكثر إثارة للدهشة أن المفاوضين تمكنوا خلال الساعات الأخيرة من المؤتمر من التوصل إلى اتفاق حول الحاجة إلى آلية لتعويض الدول عن الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ. جاء هذا الاتفاق بعد جولة من المفاوضات الصعبة بين الدول المتقدمة التي تخشى المسؤولية القانونية عن تغير المناخ، والدول النامية التي تطالب بتعويضات في أسرع وقت ممكن.
لاتزال اتفاقية الخسائر والأضرار تفتقر إلى العديد من التفاصيل المهة، وفي الواقع، يمكن للمرء أن يجادل بأنه لم يتم ادراجه والوصول اليها الا كوسيلة لتجنب جميع القضايا الخلافية بما في ذلك حجم صندوق الخسائر والأضرار والبلدان المساهمة في هذا الصندوق وآلية التمويل والبلدان المؤهلة للحصول على التعويض. هذا وتم تفويض جميع هذه القضايا إلى لجنة متخصصة للعمل والاتفاق عليها، ومن المتوقع أن يتم التصديق على توصياتها في COP 28 في دبي. على الرغم من عدم الوضوح وانعدام تفاصيل الآلية الا ان ادماج والتطور في ملف الخسائر والأضرار سيظل الإرث والميزة للمؤتمر.
وارث إضافي للمؤتمر يتمثل في فشل COP27 في إحراز أي تقدم فيما يتعلق في خفض الانبعاثات. بالكاد أكد البيان الختامي للقمة الوعود التي قُطعت في القمة السابقة في غلاسكو والتي ركزت على "التخفيض التدريجي للطاقة التي تعمل بالفحم والتخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري غير الفعال". وفشلت في تجاوز هذا على الرغم من مطالب 80 دولة بالالتزام بالوعد المتضمن التخفيض التدريجي لاستخدام جميع أنواع الوقود الأحفوري.
لم تكن هذه النتيجة مفاجأة كاملة خصوصاً في ظل المعارضة الشديدة من بعض الدول لمحاولات تغيير الطبيعة الطوعية للالتزامات الوطنية. كما ولا ينبغي التغاضي عن دور الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين في صياغة البيان الختامي هنا خصوصاً ان مصر أصبحت منتجًا ومؤيدًا للغاز الطبيعي في العام الأخير، والمخاوف والقلق من قبل بعض المندوبين والمشاركين حول الشفافية وتنظيم المؤتمر.
وبالتالي، يمكن اعتبار COP27 الجولة الأولى من التراجع العالمي لاجندة التخفيف من خلال دعم الغاز الطبيعي. لا يمكن أن تكون الساحة والتوقيت والظروف لهذه الجولة أفضل، حيث أن القمة تم استضافتها من قبل دولة منتجة للغاز الطبيعي وتعتبر كمركز تصدير إقليمي، اضافةً الى انها جاءت في وقت يعاني فيه العالم من ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض أمن الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا. الدعوات إلى انتقال عادل للطاقة في إفريقيا، وهي منطقة يفتقر 43٪ من السكان فيها إلى الكهرباء[1] و 900 مليون شخص يستخدمون مواقد الطهي بالطاقة الحيوية والزيت[2]، أضفت أيضًا مزيدًا من الشرعية الأخلاقية على استخراج الغاز الطبيعي واستخدامه في الاقتصادات النامية ،لا سيما عند وصف مصر للمؤتمر على انه "مؤتمر الأطراف الأفريقي". بالإضافة إلى ذلك، أدى تواجد وحضور أكثر من 600 من المجموعات والممثلين الداعمين للوقود الأحفوري في [3]COP27، وهو عدد أكبر من المعتاد، إلى تركيز غير متناسب على قطاع النفط والغاز. وصف بعض المراقبين مؤتمر COP27 بأنه جزئيًا معرض لتجارة الغاز.
خطوة نحو العدالة المناخية
يمكن لرئاسة COP27 أن تدعي بلا شك أنها أوفت بوعدها للنهوض بأولويات البلدان الأفريقية والبلدان النامية الأخرى خلال هذه الجولة من المفاوضات وذلك من خلال تحريك إبرة بوصلة العمل المناخي، ولو بشكل طفيف، نحو البلدان النامية والبلدان الأكثر تأثراً بالمناخ. وأدى تصحيح هذا المسار مع التركيز على التكيف والتمويل والخسائر والأضرار إلى تصحيح خلل طويل الأمد في تنفيذ اجندة العمل المناخي ما بين البلدان المتقدمة والنامية.
ووفقًا لهذه الصفقة الغير الرسمية، وعدت الدول النامية بالعمل مع الدول المتقدمة لتقليل انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري على الرغم من افتقارها إلى المسؤولية التاريخية، ووعدت الدول المتقدمة بتقديم الدعم الفني والمالي للتكيف مع تغير المناخ والنظر في تقديم تعويضات عن الخسائر والأضرار الناجمة عن التغير المناخي.
ومع ذلك، يبدو أن الاقتصادات المتقدمة قد فشلت في الالتزام بجزئيتها من الصفقة، بحيث عندما بدأت البلدان النامية في العمل على الحد من انبعاثات الكربون - وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ بكثير من الاقتصادات المتقدمة – كان هناك الكثير من الشكاوى عن عدم كفاية الدعم المالي المقدم وخصوصاً لموضوع التكيف. كما أعربت الدول النامية عن مخاوفها بشأن المفاوضات المتوقفة بشأن تعويض الخسائر والأضرار.
تسيير العجلة
في حين أن اتفاقية الخسائر والأضرار التي تم إطلاقها في شرم الشيخ هي خطوة إيجابية نحو العدالة المناخية، إلا أنها لا تخفي حقيقة أن الحد من الانبعاثات هو السبيل الوحيد لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ. إذا لم نتمكن جميعًا من تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 43 ٪ قبل عام 2030 والوصول إلى حياد الكربون قبل منتصف القرن، فسوف نفشل في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية[4]. من المرجح أن يضعنا هذا على مسار نحو تغير مناخي خطير لعقود قادمة، مع تأثيرات مدمرة وأكثر تكلفة لتغير المناخ، مما يترجم إلى فواتير أكبر للتكيف وتعويض الخسائر والأضرار. بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، من المتوقع أن يتسبب هذا السيناريو في زيادة متوسط درجة الحرارة إلى 5 درجات مئوية، وهي أعلى زيادة في درجات الحرارة في جميع الأجزاء المأهولة بالسكان في العالم، وتقريبًا ضعف المتوسط العالمي[5].
مع مرور كل عام تزداد فيه انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تتضاءل فرص الوصول إلى أهداف خفض الانبعاثات المحددة، وتزداد الحاجة إلى مضاعفة الجهود في السنوات التالية. أمام العالم ثلاث سنوات على الأكثر للبدء في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التحول والتغيير في أنظمة الطاقة والنقل والأغذية العالمية، فضلاً عن أنماط الاستهلاك. وبالتالي، فإن عدم إحراز تقدم في زيادة الالتزامات لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يجعل التحدي أكثر صعوبة في السنوات القادمة ويفرض مسؤولية إضافية على المؤتمرات القادمة للأطراف لدفع العمل المناخي بشكل أسرع. وبالتالي سيكون COP28 أول فرصة لتحفيز هذا التحول.
ما بعد COP28
قد تقدم رئاسة الإمارات العربية المتحدة الدعم المطلوب كبلد مضيف لـ COP 28 خصوصاُ من حيث مواءمة الرؤية حيث تخطط دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، وتشارك، من خلال استثماراتها الأجنبية، في مشاريع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم.
من المتوقع أيضًا أن يواجه COP28 في دبي تحديات أخرى، ويتمثل ذلك بأن القمة القادمة مكلفة بالتوصل إلى اتفاق حول هدف عالمي للتكيف، والتقييم العالمي لاتفاقية باريس، والموافقة على آليات تمويل الخسائر والأضرار.
اضافةً، ومع انتقال قمة المناخ إلى آسيا، يمكن أن تتحرك إبرة البوصلة مرة أخرى لتعكس أولويات القارة بالإضافة إلى رؤية ونهج رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر الأطراف. ويشمل ذلك خطط الإمارات لمواصلة إنتاج النفط وتصديره. ومن المحتمل أيضًا أن يشمل اعتماد وتعزيز نهج الاقتصاد الدائري الكربوني كطريقة عالمية لإدارة انبعاثات الكربون.
تجاوز COP27 معظم التوقعات ولكن دعونا لا نحتفل حتى الآن. ضاع عام في السباق للحد من الانبعاثات ويبدو أن الطريق أمامنا مليء بالمعوقات. إذا كان عام 2022 هو العام الذي بدأ فيه العمل نحو العدالة المناخية للدول الأكثر ضعفاً، فإن تحديات السنوات القادمة تتطلب منا أن نتحد ونحاول معالجة أسباب تغير المناخ لتحقيق شكل آخر من أشكال العدالة المناخية. تستحق الأجيال القادمة العدالة المناخية أيضًا، فهي تستحق أن ترث كوكبًا آمنًا ومستوى معيشيًا مثل الأجيال السابقة التي تمتعت بها. بينما نشرع في التحول الاقتصادي العالمي المطلوب، فإن الالتزام العالمي والأخلاقي المتعلق بالعدالة المناخية هو التزام يمكننا جميعًا العمل من اجله.
[1]https://www.iea.org/reports/africa-energy-outlook-2022
[2]https://www.theguardian.com/environment/2022/jun/07/let-africa-exploit-natural-gas-reserves-mary-robinson
[3]https://www.euronews.com/green/2022/11/10/fossil-fuel-lobbyists-outnumber-almost-every-national-delegation-at-cop27-data-shows
[4]https://www.ipcc.ch/assessment-report/ar6/
[5]https://www.reuters.com/business/environment/climate-change-could-devastate-mideast-east-mediterranean-scientists-2022-09-06/