15.08.2022

هل هو السحر اليمني للمرة الثالثة؟

رغم تمديد الهدنة بين الحوثيين والحكومة في اليمن، والذي يعتبر أمرا محمودا، فإن الزخم الحقيقي لعملية السلام لا يزال دون المأمول

لقد تطلب تمديد الهدنة في اليمن مؤخرا لمدة شهرين، الذي بقيت سارية منذ نيسان/أبريل، مفاوضات صعبة دامت حتى اللحظة اﻷخيرة. يتقاسم أصحاب النفوذ المحليين والجهات الفاعلة الدولية المسؤولية في افتقار عملية السلام إلى زخمها الحقيقي.

"لديك الساعات، لدينا الزمن"، وهو قول مأثور غالبًا ما يعزى إلى حركة طالبان الأفغانية، قد يصف أيضًا استراتيجية التفاوض الحالية لجماعة أنصار الله، والمعروفة باسم الحوثيين التي سيطرت على العاصمة اليمنية صنعاء منذ عام 2014 رغم المقاومة العسكرية الهائلة، خاصة منذ عام 2015 عندما تدخلت القوى الإقليمية السعودية والإمارات العربية المتحدة شمال البلاد، حيث يعيش أكثر من 70 في المائة من السكان. وفقا لأرقام الأمم المتحدة، في السنوات السبع الماضية، توفي أكثر من 370 ألف شخص من العواقب المباشرة وغير المباشرة للحرب حيث دمر القتال والغارات الجوية والحصار  سبل عيش الملايين من اليمنيين وتسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة.

تسبب القتال الشرس الذي جد في بداية العام في مأزق عسكري بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا في عدن، مما ساعد في دفع المفاوضات الناجحة التي تقودها الأمم المتحدة في نهاية المطاف حول وقف إطلاق النار، مؤقتًا على الأقل. وتزايد الاهتمام الدولي بتخفيف حدة الصراع وسط التأثير العالمي لحرب روسيا على أوكرانيا، حيث يمكن أن يساعد الاستقرار في الخليج وزيادة إنتاج النفط في البلدان المجاورة على كبح جماح الارتفاع الصاروخي لأسعار الطاقة. لذلك تمثل قدرة الحوثيين على مهاجمة البنية التحتية الحيوية في البحر الأحمر والخليج والتي تعد حاسمة للغاية للتجارة الدولية في المواد الخام وسلاسل التوريد خطرًا كبيرًا.

أ - تاريخ الصراع

يُنظر الآن إلى التدخل العسكري ضد الحوثيين، الذي بدأ في عام 2015 الذي مثل فرصة لوزير الدفاع السعودي الشاب والوريث الحالي محمد بن سلمان (MBS) لتعزيز مطالبة السعودية، ومطالبته شخصياً، بالقيادة الإقليمية، على أنه كارثة. وبما أن الائتلاف الذي شكله لمواجهة الحوثيين فشل في هزيمتهم عسكريا، يبدو أن المفاوضات هي الطريق الوحيد للمضي قدما.

على النقيض من الوضع الأمريكي في أفغانستان، لا تعتبر المملكة العربية السعودية نفسها طرفًا محاربًا أو تصنفها الأمم المتحدة على هذا النحو ولديها بصمة عسكرية ضئيلة في اليمن.

في نهاية المطاف، وفر وقف إطلاق النار أيضًا للرئيس الأمريكي جو بايدن ومحمد سلمان منطلقا لتسوية علاقاتهما بعد مقتل المنشق السعودي جمال خاشقجي في خريف 2018. ليس من المستغرب أن تعلن الحكومة الأمريكية أنها ستسلم مليارات الدولارات في شكل أسلحة إلى الخليج في نفس اليوم الذي تم فيه تمديد وقف إطلاق النار ، بل إن وزارة الخارجية الأمريكية أشادت بالرياض، التي أراد بايدن أن يظهرها في صورة الدولة "المنبوذة" خلال الحملة الانتخابية لعام 2020، "كقوة للاستقرار السياسي في منطقة الخليج ".

على غرار الحسابات التي أجرتها حكومة الولايات المتحدة قبل الانسحاب من أفغانستان ، تجد الرياض نفسها الآن بين المطرقة والسندان: فمن ناحية ، لم تنجح  المواجهة العسكرية المكلفة مع الحوثيين (تتحدث تقارير عن صرف مليار دولار أسبوعيا ) المحفوفة بالمخاطر وسط هجمات الصواريخ الحوثية والطائرات بدون طيار على البنية التحتية السعودية الحيوية ، مما ألحق الضرر بثقة المستثمرين الحاليين والمحتملين في المملكة. على الرغم من أن التدخل أراد أن يحقق العكس، إلا أن تأثير الجارة إيران قد تعاظم في السنوات الماضية.

من ناحية أخرى، فإن الخروج من اليمن صفر اليدين سيفهمه الكثيرون على أنه سياسة خارجية وإهانة شخصية لمحمد سلمان ومثيرا للشكوك حول مدى الموثوقية السعودية، إذا تخلت المملكة السعودية عن حلفائها في عدن عسكريا، وعلى المدى المتوسط، ماليا.

من العلامات المبكرة على أن الرياض بدأت في محاولة التقليص من خسائرها هي ضغطها في أبريل 2022 من أجل إنشاء مجلس رئاسي يحل محل الرئيس هادي سيء الحظ. على النقيض من الوضع الأمريكي في أفغانستان، لا تعتبر المملكة العربية السعودية نفسها طرفًا محاربًا أو تصنفها الأمم المتحدة على هذا النحو ولديها بصمة عسكرية ضئيلة في اليمن. وبالتالي، تظل الرياض مرنة في إملاء شروط وتوقيت مشاركتها دون أي اتفاق رسمي مع الحوثيين يضمن حماية القوات المنسحبة.

خطوة للأمام، خطوتين إلى الوراء

في الأشهر الأخيرة، تم بالفعل تنفيذ بعض شروط وقف إطلاق النار التي ينبغي أن يستفيد منها السكان المحليون. في مارس/آذار، أفادت أوكسفام أنه مع ارتفاع تكلفة الوقود بنسبة 543 في المائة منذ عام 2019 وارتفاعها بثلاثة أضعاف في الربع الأول من عام 2022، ظلت السيارات تصطف لعدة أيام في محطات البنزين. في حين تم تخفيف الحصار على مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها الحوثيون بين أبريل وأواخر يوليو، تم إنزال أكثر من 720,000 طن من النفط – بعد أن كانت 470,000 طن فقط طوال عام 2021.

لكن توزيع الإيرادات المتزايدة يخلق صراعًا جديدًا حيث تعهد الحوثيون في اتفاقية ستوكهولم لعام 2018 بتحويل الأرباح إلى البنك المركزي حتى يتمكن موظفو القطاع العام من الحصول على الرواتب التي لم يتلقوها منذ سنوات. وحقيقة أن الحوثيين لم يلتزموا بهذا التعهد زاد من إحباط الأطراف المتفاوضة الأخرى ــ برغم أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانز جروندبيرج متفائل بإمكانية التوصل قريباً إلى آلية شفافة وفعالة.

كما استفاد أكثر من 8000 مسافر من استئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء، وتعهدت الحكومة بقبول جوازات السفر الصادرة عن الحوثيين بالنسبة للمسافرين إلى صنعاء ومنها. لكن الاتفاق لم ينجح في ثني الحوثيين في بعض الأحيان من منع ممثلي المجتمع المدني من حضور المؤتمرات الدولية أو الحد بشكل كبير من حرية حركة المرأة .

الأمر متروك في الوقت الحاضر للمفاوضين والوسطاء وشركاء اليمن الدوليين لتربيع الدائرة حتى لا تصبح الهدنة غاية في حد ذاتها.

لا يزال عدم إحراز تقدم حول مدينة تعز ذات الأهمية الاستراتيجية، وهي ثالث أكبر مدينة، والتي يحاصرها الحوثيون منذ عام 2016، أهم نقطة عالقة في المفاوضات لإيجاد اتفاق سياسي. وعلى الرغم من أنهم أدركوا أن إنهاء الحصار كان شرطًا للهدنة، إلا أنهم لم يفعلوا الكثير لتنفيذه. وكما يشير الباحث اليمني إبراهيم جلال، فقد نشأ وضع سخيف: فقد تمكن الآلاف من اليمنيين من شراء تذاكر سفر باهظة الثمن إلى البلدان المجاورة أو صنعاء – ولكن بالنسبة لثلاثة ملايين نسمة من سكان محافظة تعز، لا يزال حتى القيام برحلات قصيرة بالحافلات حلما بعيد المنال.

ولا يمكن لوقف إطلاق النار، وإنهاء الضربات الجوية، والانخفاض الكبير في عدد الضحايا المدنيين أن يحجب مستوى العنف المستمر في أجزاء كثيرة من اليمن. وسُجل منذ 2 نيسان/أبريل أكثر من800 1 حادث وأكثر من 300 حالة وفاة، تسبب فيها الحوثيون أساسا. وهناك أيضا تقارير تفيد بأن أطراف الصراع تستغل وقف إطلاق النار، مثلا بتوسيع مواقعها العسكرية حول مدينة مأرب، وهي مركز هام لإنتاج النفط.

الهدنة ليست غاية في حد ذاتها

تنتقد حكومة اليمن المعترف بها دوليًا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الحصار الذي يفرضه الحوثيون. إن سكان تعز وعدن محبطون من جني جهة واحدة فقط لمخرجات السلام وأنه لا ينبغي مكافأة الحوثيين بمجرد تهديدهم بمغادرة طاولة المفاوضات بمزيد من التنازلات.

نظرًا لنقاط ضعفها واعتمادها على الدعم الدولي، تجد حكومة عدن نفسها في مشكلة كتلك التي عاشتها أفغانستان بعد اتفاقية الدوحة لعام 2020  فإما أن تتمسك بوقف إطلاق نار تغلب عليه مصلحة العدو وهو ما يهدد بتقويض شرعيتها في أعين اليمنيين أو تخاطر بتنفير أهم مؤيديها مع أمل ضعيف في فوز عسكري سريع. مع هيمنة الحوثيين المتصاعدة، لا يزال تحقيق تقدم حقيقي في الجولة الثالثة من المفاوضات بعيد المنال.

في الوقت الحاضر الأمر موكول للمفاوضين والوسطاء وشركاء اليمن الدوليين لتحقيق المستحيل حتى لا تصبح الهدنة غاية في حد ذاتها بغرض منع صراع مسلح جديد، ربما من خلال توسيع المساعدة الإنسانية إلى تدابير هيكلية، وحمل الحوثيين على تقديم تنازلات حقيقية من شأنها أن تحسن بشكل متكافئ الواقع اليومي لـ "الجانب الآخر ". وبخلاف ذلك، فإن اتفاق الدوحة لليمن يمكن أن يكون فرضية مطروحة، ولكنه سيظل بنفس القدر اتفاقا متسرعا، إذا لم يتم إحراز أي تقدم في عملية السلام أو نحوها، أو في توفير التزامات جادة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ولا سيما حقوق المرأة ، أو رؤية مشتركة وشاملة لليمن في مرحلة ما بعد الحرب.

المقال متوفر باللغة الإنجليزية في المجلة الإلكترونية IPS

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de