03.09.2020

ماذا تعرف ليبيا عن العدالة الاجتماعية؟

فاطمة الزهراء قطيش – مديرة برامج في مؤسسة فريدريش ايبرت -ليبيا

قد يبدو مصطلح العدالة الاجتماعية لأغلب الليبيين جديدا أو دخيلا على ثقافتهم، ذلك أن استخدامه اقتصر على الأكاديميين والنشطاء ومنتسببي المجتمع المدني الذين تعرفوا عليه -ربما- نتيجة احتكاكهم المباشر وغير المباشر بالمؤسسات والجهات الخارجية أو بمنظومات المجتمع المدني الدولية التي تأخذ العديد منها على عاتقها نشر ثقافة العدالة الاجتماعية والعمل عليها.

لكن في الحقيقة فإن العدالة الاجتماعية كمفهوم هو ما نادى به الليبيون والليبيات منذ 2011 في مظاهرتهم وحراكهم ومبادرتهم، بل أكاد أجزم أن الليبيين طالبوا بالعدالة الاجتماعية حتى قبل عام 2011. فالتوزيع العادل لموارد الدولة كالمال والثروات، والحصول على فرص متساوية في الخدمات كالتعليم والعمل والضمان الاجتماعي وتوفير فرص عادلة لجميع مكونات المجتمع هو شيء غريزي يطالب به المواطن بمجرد تمتعه بهذه الصفة من قبل الدولة التي هو جزء منها. ولعل غياب العدالة الاجتماعية وبروز عكسها من مظالم اجتماعية كان شعر بها الليبيون طوال العقود الماضية هو خير دليل على مطالبة المجتمع في ليبيا بالعدالة الاجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر.

واذا ما أسقطنا هذا المفهوم للعدالة الاجتماعية بكل مستوياته على الحالة الليبية نستطيع القول اليوم أن العدالة الاجتماعية في ليبيا غائبة إلى حد كبير، فغياب الأطر القانونية و آليات التنفيذ وفي أحيان أخرى عدم تفعيلها، إلى جانب غياب الخطط الاستراتيجية والتنموية الواضحة والمستدامة التي تضعها الدولة من أجل تحسين مستوى حياة المواطنين يثبت ذلك. وقد يبدو أن غياب هذه العناصر اليوم سببه الأول هو الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد وما يلحقه من تبعيات كالنزاعات المسلحة وإقفال مصادر الموارد التي يعتمد عليها الاقتصاد وبروز قضايا إنسانية كالنازحين والمهجرين داخل البلاد وخارجها، و الصراع الذي يظهر بين الفينة والأخرى ما بين المكونات المختلفة للهوية الليبية قد يبدو سبباً في عرقلة ترسيخ مفهوم العدالة الاجتماعية. ولكن من وجه نظري فالاستقرار السياسي بمعنى عدم وجود انقسام في السلطة وصراع على الموارد ليس وحده السبب في عدم وجود العدالة الاجتماعية، فقد شهدت ليبيا قبل عام 2011 "استقرارا" إلى حد ما. فالسلطة ولأربعين عاما تركزت في يد نظام واحد، والثروات والموارد بقيت تحت سيطرة قوة واحدة ولا نزاعات مسلحة أو حروب داخلية تذكر. ومع ذلك فلم يكن المجتمع الليبي يتمتع بعدالة اجتماعية في ظل ذلك الاستقرار، فالسلطة السابقة لم تكن تملك خطط حقيقة للتنمية ولا سياسة واضحة أو مدروسة للتوزيع العادل للموارد والخدمات بين المواطنين في كامل الأراضي الليبية بل مشاريع وهمية غير ملموسة وغير مستفاد منها لإيهام المجتمع أن السلطة تتبنى مفهوم العدالة الاجتماعية وتسعى لتطبيقه. بل إنه كان يُستكثر على المواطنين في أحيانا كثيرة حقهم في التمتع بأجور عالية أو الانتفاع بمشاريع توفر حماية اجتماعية بمستوى عالي كتأسيس شبكات أمان اجتماعية متطورة، توفر مثلا مرتبات تضامن أو معاشات تقاعد عالية أو منظومة تعليمية أو صحية بمستوى خدمات عالِ رغم أن الدولة قادرة على ذلك اعتمادا على حقيقة أنها دولة غنية بمواردها!

العنصر الأساسي الغائب دائما هو الإرادة الحقيقة للسلطة -سابقة كانت أم حالية- ليس فقط لتبني مفهوم العدالة الاجتماعية ووضع آليات تنفيذها بل حتى العمل على التمهيد لها. وذلك بامتلاك الإرادة لإنهاء الانقسام السياسي، وتوقف الصراع المسلح وترسيخ مبادئ العدالة الانتقالية كالسلم المجتمعي ورصد انتهاكات حقوق الانسان والبت بها وزرع الثقة في نظام العدالة. و لإثبات ان الإرادة هي العنصر الأساسي و المحرك في اتجاه الوصول الي العدالة الاجتماعية في ليبيا فقد صدر في عام 2012 قانون رقم 17 بشأن إرساء قواعد المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية من قبل المجلس الانتقالي الليبي و هو السلطة الحاكمة في تلك الفترة، و كان من المفترض ان يكون هذا القانون بداية الحل لكل المشاكل التي كانت تمر بها ليبيا قبل الثورة و اثنائها بسبب غياب العدالة و ربما كان ليكون بداية انطلاق للعمل على نشر مفهوم العدالة الاجتماعية بين افراد المجتمع الليبي والتي ربما كانت ستكون مؤثرة حتى في المسار الديموقراطي حيث تتنافس عليها القوى السياسية في تبنيها ضمن برامجها الانتخابية كما نشهد اليوم في اكثر الدول المتقدمة ديموقراطيا ,و لكن مع الأسف فأن هذا القانون و رغم صدوره لم يفعل و لم يتم العمل على تنفيذ ما جاء فيه او تبيان اليات العمل ضمنه .

و طالما لم يدرك القائمون على وضع هذه القوانين و المسؤولين عن تنفيذها و متابعة سياساتها أهمية تطبيق العدالة الاجتماعية بما تشمل من توزيع عادل للسلطة و الموارد و الخدمات على كافة شرائح و مكونات المجتمع الليبي و أضفاء طابع الجدية على المبادرات الرامية لأنها الصراعات و الخلافات و التي من بينها الصراع على الموارد الأساسية للدولة كالنفط و الغاز ، فإن الاحتقان سيستمر لا محالة، و الشعور العام بعدم الثقة و النفور من قبل الشعب تجاه الحكومات المتصارعة سيستمر و هذا ما تُرجم في الآونة الأخيرة على شكل حراك مدني تمثل في الخروج في مظاهرات في الجنوب والغرب الليبي للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، و إنهاء أزمات توفر الموارد و المواد الأساسية و توزيع عادل لها و هو ما يمثل بشكل أساسي رغبة الليبيين في عيش حياة عادلة اجتماعياً .

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de