فاطمة الزهراء قطيش – مديرة برامج في مؤسسة فريدريش ايبرت -ليبيا
قد يبدو مصطلح العدالة الاجتماعية لأغلب الليبيين جديدا أو دخيلا على ثقافتهم، ذلك أن استخدامه اقتصر على الأكاديميين والنشطاء ومنتسببي المجتمع المدني الذين تعرفوا عليه -ربما- نتيجة احتكاكهم المباشر وغير المباشر بالمؤسسات والجهات الخارجية أو بمنظومات المجتمع المدني الدولية التي تأخذ العديد منها على عاتقها نشر ثقافة العدالة الاجتماعية والعمل عليها.
لكن في الحقيقة فإن العدالة الاجتماعية كمفهوم هو ما نادى به الليبيون والليبيات منذ 2011 في مظاهرتهم وحراكهم ومبادرتهم، بل أكاد أجزم أن الليبيين طالبوا بالعدالة الاجتماعية حتى قبل عام 2011. فالتوزيع العادل لموارد الدولة كالمال والثروات، والحصول على فرص متساوية في الخدمات كالتعليم والعمل والضمان الاجتماعي وتوفير فرص عادلة لجميع مكونات المجتمع هو شيء غريزي يطالب به المواطن بمجرد تمتعه بهذه الصفة من قبل الدولة التي هو جزء منها. ولعل غياب العدالة الاجتماعية وبروز عكسها من مظالم اجتماعية كان شعر بها الليبيون طوال العقود الماضية هو خير دليل على مطالبة المجتمع في ليبيا بالعدالة الاجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر.
واذا ما أسقطنا هذا المفهوم للعدالة الاجتماعية بكل مستوياته على الحالة الليبية نستطيع القول اليوم أن العدالة الاجتماعية في ليبيا غائبة إلى حد كبير، فغياب الأطر القانونية و آليات التنفيذ وفي أحيان أخرى عدم تفعيلها، إلى جانب غياب الخطط الاستراتيجية والتنموية الواضحة والمستدامة التي تضعها الدولة من أجل تحسين مستوى حياة المواطنين يثبت ذلك. وقد يبدو أن غياب هذه العناصر اليوم سببه الأول هو الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد وما يلحقه من تبعيات كالنزاعات المسلحة وإقفال مصادر الموارد التي يعتمد عليها الاقتصاد وبروز قضايا إنسانية كالنازحين والمهجرين داخل البلاد وخارجها، و الصراع الذي يظهر بين الفينة والأخرى ما بين المكونات المختلفة للهوية الليبية قد يبدو سبباً في عرقلة ترسيخ مفهوم العدالة الاجتماعية. ولكن من وجه نظري فالاستقرار السياسي بمعنى عدم وجود انقسام في السلطة وصراع على الموارد ليس وحده السبب في عدم وجود العدالة الاجتماعية، فقد شهدت ليبيا قبل عام 2011 "استقرارا" إلى حد ما. فالسلطة ولأربعين عاما تركزت في يد نظام واحد، والثروات والموارد بقيت تحت سيطرة قوة واحدة ولا نزاعات مسلحة أو حروب داخلية تذكر. ومع ذلك فلم يكن المجتمع الليبي يتمتع بعدالة اجتماعية في ظل ذلك الاستقرار، فالسلطة السابقة لم تكن تملك خطط حقيقة للتنمية ولا سياسة واضحة أو مدروسة للتوزيع العادل للموارد والخدمات بين المواطنين في كامل الأراضي الليبية بل مشاريع وهمية غير ملموسة وغير مستفاد منها لإيهام المجتمع أن السلطة تتبنى مفهوم العدالة الاجتماعية وتسعى لتطبيقه. بل إنه كان يُستكثر على المواطنين في أحيانا كثيرة حقهم في التمتع بأجور عالية أو الانتفاع بمشاريع توفر حماية اجتماعية بمستوى عالي كتأسيس شبكات أمان اجتماعية متطورة، توفر مثلا مرتبات تضامن أو معاشات تقاعد عالية أو منظومة تعليمية أو صحية بمستوى خدمات عالِ رغم أن الدولة قادرة على ذلك اعتمادا على حقيقة أنها دولة غنية بمواردها!
العنصر الأساسي الغائب دائما هو الإرادة الحقيقة للسلطة -سابقة كانت أم حالية- ليس فقط لتبني مفهوم العدالة الاجتماعية ووضع آليات تنفيذها بل حتى العمل على التمهيد لها. وذلك بامتلاك الإرادة لإنهاء الانقسام السياسي، وتوقف الصراع المسلح وترسيخ مبادئ العدالة الانتقالية كالسلم المجتمعي ورصد انتهاكات حقوق الانسان والبت بها وزرع الثقة في نظام العدالة. و لإثبات ان الإرادة هي العنصر الأساسي و المحرك في اتجاه الوصول الي العدالة الاجتماعية في ليبيا فقد صدر في عام 2012 قانون رقم 17 بشأن إرساء قواعد المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية من قبل المجلس الانتقالي الليبي و هو السلطة الحاكمة في تلك الفترة، و كان من المفترض ان يكون هذا القانون بداية الحل لكل المشاكل التي كانت تمر بها ليبيا قبل الثورة و اثنائها بسبب غياب العدالة و ربما كان ليكون بداية انطلاق للعمل على نشر مفهوم العدالة الاجتماعية بين افراد المجتمع الليبي والتي ربما كانت ستكون مؤثرة حتى في المسار الديموقراطي حيث تتنافس عليها القوى السياسية في تبنيها ضمن برامجها الانتخابية كما نشهد اليوم في اكثر الدول المتقدمة ديموقراطيا ,و لكن مع الأسف فأن هذا القانون و رغم صدوره لم يفعل و لم يتم العمل على تنفيذ ما جاء فيه او تبيان اليات العمل ضمنه .
و طالما لم يدرك القائمون على وضع هذه القوانين و المسؤولين عن تنفيذها و متابعة سياساتها أهمية تطبيق العدالة الاجتماعية بما تشمل من توزيع عادل للسلطة و الموارد و الخدمات على كافة شرائح و مكونات المجتمع الليبي و أضفاء طابع الجدية على المبادرات الرامية لأنها الصراعات و الخلافات و التي من بينها الصراع على الموارد الأساسية للدولة كالنفط و الغاز ، فإن الاحتقان سيستمر لا محالة، و الشعور العام بعدم الثقة و النفور من قبل الشعب تجاه الحكومات المتصارعة سيستمر و هذا ما تُرجم في الآونة الأخيرة على شكل حراك مدني تمثل في الخروج في مظاهرات في الجنوب والغرب الليبي للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، و إنهاء أزمات توفر الموارد و المواد الأساسية و توزيع عادل لها و هو ما يمثل بشكل أساسي رغبة الليبيين في عيش حياة عادلة اجتماعياً .
Share your ideas with our team!
info.mena@fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/