حقوق الإنسان والمهاجرين في ليبيا ، محادثة مع الناشط طارق لملوم
للاطلاع على الحالة الانسانية للمهاجرات والمهاجرين وحقوقهم في ليبيا، تحدثنا مع الناشط الحقوقي طارق لملوم
طارق لملوم أحد مؤسسي منظمة بلادي الليبية لحقوق الإنسان ومناصر لحقوق المهاجرات والمهاجرين في ليبيا
1) ما هو وضع حقوق الإنسان في ليبيا بشكل عام والحالة الإنسانية للمهاجراتوالمهاجرين بشكل خاص؟
منذ عقود تجد ليبيا صعوبة في إرساء مفهوم حقوق الإنسان, فمع الأسف الثقافة التي كانت سائدة قبل 2011 بسبب حكم الفرد رسخت مقولة أن الحقوق هي تلك التي تسمح بها السلطات والحكومة فقط. وبعد الثورة في 2011، لم تمض الا أشهر قليلة حتى عادت هذه الثقافة القديمة تسيطر، مما أدى إلى خسارة الكثير من المكاسب والأحلام التي حاول المطالبين/ات بالتغيير الحصول عليها، فشهدت ليبيا تراجع في كل مجالات الحقوق والحريات، ولا سيما حرية التعبير والتجمع السلمي.
في ظل هذا التدهور لحقوق الانسان في ليبيا زادت معاناة المهاجرات والمهاجرين وطالبي/ات اللجوء والأجانب بصفة عامة في ليبيا، فلا تشريعات تنصفهم ولا جهات حكومية ثابتة تراعي مصالحهم وتحمي حقوقهم, لا وبل يتم استغلالهم، حيث يتم في الغالب استخدام ملف الهجرة لأغراض المساومة السياسية، مما يجعل بعض المدن والقبائل في ليبيا يصارعون للحصول على حقيبة الهجرة اثناء تقسيم كعكة الحقائب الحكومية والمسؤوليات.
2) من أين يأتي الأشخاص المقيمين أو المحتجزين في المخيمات في ليبيا؟ وما هي أهم دوافعهم للهجرة؟
يأتي المهاجرات والمهاجرين بالدرجة الأولى من دول الجوار مثل السودان والنيجر ومصر وبالدرجة الثانية يأتي طالبي/ات الحماية من دول مثل الصومال واريتريا واثيوبيا وسوريا وبدرجات أقل من اليمن, تختلف دوافع الهجرة واللجوء من شخص إلى آخر، فالبعض يهاجر لتحسين أوضاعهم المعيشية ولكن الغالبية ترغب في الذهاب الى أوروبا. ولكن من يحصل/تحصل على فرصة عمل وأمان في ليبيا يلغي فكرة الهجرة لفترات طويلة مثل المهاجرين/ات القادمين من مصر وتشاد والسودان وغيرها من غير مناطق النزاع. أما طالبي/ات اللجوء من الصومال واريتريا واثيوبيا وسوريا (وهي مناطق نزاع)، فهم يرغبون في طلب حماية في احد دول الاتحاد الأوروبي ولا يرغبون في البقاء في ليبيا. بالنسبة للصوماليين لا يستطيعون في الغالب العمل في ليبيا حتى ولو رغبوا في ذلك، لأنهم غير مرغوبين في سوق العمل الليبي أو الشارع الليبي الغير متعود على العامل من الصومال رغم انهم يجيدون اللغة العربية. لذلك هم يرغبون في السفر الى اوروبا او التواصل المستمر مع المفوضية السامية لتسريع خروجهم.
3 ) بينما يتصدر فيروس كورونا منذ أكثر من سنة عناوين الصحف في اوروبا، نادراً ما يتم الحديث عن هذا الفيروس في إطار الهجرة. هل أثر ظهور جائحة كورونا على أوضاع المهاجرات والمهاجرين في ليبيا؟ وإذا كانت الاجابة بنعم فكيف أثر ذلك على أوضاعهم/هن؟
لا يوجد معلومات أو احصاءات دقيقة عن نسبة الاصابات بفيروس كورونا في أوساط المهاجرين والمهاجرات وطالبي/ات اللجوء في ليبيا، بسبب عدم وجود طواقم طبية وإحصائية كافية. إلا أنه وحسب الارقام المسجلة لم يكن هناك تفشي للجائحة بينهم. ومع ذلك يعاني المهاجرات والمهاجرون من مشاكل صحية أكثر إشكالية من فيروس كورونا وهي: سوء التغذية، آثار التعذيب والخطف والاعتداءات الجنسية التي يتعرضون/يتعرضن لها أثناء رحلتهم/هن حتى وصولهم/هن إلى مراكز الاحتجاز.
ورغم ظهور جائحة كورونا، لم يحظ المهاجرات والمهاجرون الموجودون في مراكز الاحتجاز بأي اهتمام حكومي أو دعم من قبل المنظمات الدولية. فلم تصل مثلاً أي مساعدات دولية تتعلق بكورونا للمحتجزات والمحتجزين، بالرغم أن الاتحاد الأوروبي دعم المنظمة الدولية للهجرة بأموال من أجل تحسين وضع المحتجزات والمحتجزين وشراء لوازم وقاية مثل الكمامات والمعقمات. نحن نعتقد أن كلاً من الاتحاد الاوربي (الجهة المانحة) والمنظمة الدولية للهجرة على دراية تامة بهذه الأوضاع وبحقيقة أن المساعدات لا تصل لمستحقيها، لكنها لا تتخذ إي اجراء يغير هذا الوضع للأفضل.
4) ما هو وضع المهاجرات والمهاجرين في المخيمات الليبية؟ مثلاً الوصول للحاجات الأساسية مثل الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية والتعليم والمراحيض وما إلى ذلك؟
كنا ولوقت قريب نسميها (أي مراكز اللجوء) مراكز احتجاز ولكن ما يحصل هذه الأيام وخصوصاً بعد انتهاء الحرب وتزايد الضغوطات على المنظمات الدولية من قبل الحكومة الليبية، أصبحت هذه المراكز أشبه بمعتقلات عقاب جماعي. فأحد المراكز مثلاً يسكن فيه حوالي 70 سيدة أغلبهن حوامل ومعهن حوالي 30 طفل أعمارهم تتراوح بين 9 شهور حتى 13 عام في غرفة مظلمة يوجد فيها دورة مياه واحدة فقط، يفتح عليهم الباب مرتين في اليوم فقط لتزويدهم بوجبة طعام، وهي عبارة عن وجبة تحتوي على نوع واحد من المواد الغذائية وبكميات قليلة خالية من أي لحوم او خضروات أو مواد مغذية. يقوم بالحراسة في هذه المراكز الرجال فقط، فلا يوجد تواجد لعنصر نسائي في فريق الحراسة نهائياً. العنصر النسائي الوحيد الذي يزور النساء المحتجزات وأطفالهن هو طبيبة واحدة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود.
5) ما هو وضع النساء ووضع الأطفال والقاصرات والقصّر اللواتي/الذين يسافرون بمفردهم (بدون الأبوين) بشكل خاص؟ هل معاناتهم أكبر؟ ولماذا؟
نعم تعاني النساء وخصوصاً القاصرات والقصّر من نيجيريا والصومال من الضعف وسوء التغذية والخطف والاعتداءات الجسدية والجنسية أثناء رحلة ومحطات اللجوء في الصحراء الليبية وحتى وصولهم الى مدينة بني وليد والتي تقع شمال غربي ليبيا وتبعد 180 كم من طرابلس. الأطفال والنساء هم الأكثر ضعفاً وعرضة للعنف، حيث يتم تعذيبهم وإجبار عائلاتهم على دفع الأموال في مخازن لا تتبع للسلطات الحكومية رسمياً، لكن مكانها معروف والمسؤولين عن إدارتها معروفين أيضاً. كما يتم أيضاً استغلال الأطفال القاصرين/ات في الأعمال الشاقة وبأجور زهيدة للغاية.
لقد فشلت كلًا من المفوضية السامية والمنظمة الدولية للهجرة فشلاً ذريعاً في حماية هؤلاء الأطفال والقاصرين/ ات حتى داخل مراكز الاحتجاز الدولية التابعة لها. فحتى الآن لا يتم فصل القاصرين/ات عن البالغين/ات. هناك شهود على حالات اعتداء متكررة واغتصاب لقاصرين/ات في مركز احتجاز تابعة للحكومة. رغم علم المنظمات الدولية وإعلامها بهذه الاعتداءات لم تتخذ إي إجراء ضدها أو تتحدث عنها مع السلطات الليبية لمنعها.
6) ما الذي يمنحك الأمل لتحسين الوضع الراهن؟ وماذا تتمنى من دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالهجرة؟
الأمل كان له بريق خلال الأشهر الأخيرة بعد نجاح الجهود في وقف الحرب في ليبيا، حيث أنه هناك مساعي لسحب القوات المرتزقة وإنشاء حكومة موحدة. لكن وجود حكومة واحدة لوحده لا يساهم في تخفيف الضغط على المهاجرات والمهاجرين وطالبي/ات اللجوء، فسياسات الحكومة الجديدة تجاه المهاجرات والمهاجرين وطالبي/ات الحماية لم تتغير, فمازالوا يقابلون بالرفض!
لذلك نتمنى من الاتحاد الاوروبي ان يكون عنده توازن في التعامل مع الملف الليبي من خلال ضمان مشاركة أكبر للنشطاء/ات المحليين في هذا المجال, فمثلا يمكن للاتحاد الاوروبي أن يعيد النظر بالتعامل مع الفاعلين على الأرض ويقوم بعملية فحص حقيقي للاحتياجات على الأرض بعيداً عن الطرق التقليدية, فقد اعتاد الاتحاد الاوربي على التواصل مع ممثلي المنظمات الدولية فقط في تقييمه للاحتياجات على الأرض أو إقراره للمشاريع الواجب تنفيذها. في حين أنه لا يُشرك أو يتعامل مع النشطاء المحليين أو المنظمات غير الحكومية المحلية الفاعلة على الارض مثل الهلال الأحمر الليبي وفرق الكشافة والتي لديها خبرة أكبر ومعلومات أدق عن الوضع بسبب تعاملها بشكل مباشر ويومي مع اللاجئات واللاجئين والمهاجرات والمهاجرين.
7) ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به دول الاتحاد الأوروبي لتخفيف معاناة المهاجرات والمهاجرين وتحفظ حقوقهم وحقوق الانسان بشكل عام في بلدك؟
التوقف عن دعم خفر السواحل الليبي حتى تضمن كفاءة هذا الجهاز ويكون الدعم مشروط بضمان حقوق الانسان في ليبيا.
الضغط على السلطات الليبية باحترام الاتفاقيات والمواثيق التي التزمت بها، مثل اتفاقية الوحدة الافريقية التي تنظم الهجرة داخل القارة الافريقية، واتفاقية حقوق الطفل التي تلزمها بحماية الاطفال طالبي الحماية، واتفاقية حقوق العمال/ات المهاجرين/ات وأسرهم، واتفاقية الإنقاذ من البحر وإيصال الناجين/ات لموانئ آمنة. يجب أن يكون احترام هذه الاتفاقيات شرط لعقد أي اتفاقيات ثنائية جديدة في المستقبل.
توفير وضمان حماية حقيقية للقاصرين/ات والنساء وعدم الاعتماد على المفوضية الدولية للهجرة فقط. فيمكن لدول الاتحاد الأوروبي مثلاً التسريع بفتح ممرات إنسانية عاجلة تقوم بإخراج النساء والاطفال غير المصحوبين بأهاليهم في مدن الجنوب قبل اكمال طريقهم للساحل وتعرضهم للخطف. ففي ظل غياب أية مشاريع للاتحاد الاوروبي في مدن الجنوب تستهدف المهاجرات والمهاجرين، تعرضهم للخطر. الحماية يجب أن تبدأ إذاً من مدن الجنوب وليس عبر مكاتب موجودة في العاصمة طرابلس.
على الاتحاد الأوروبي أن يستثمر في مشاريع اقتصادية وتنموية في الدول الافريقية الفقيرة مثل السودان والتشاد للحد من الهجرة لأسباب اقتصادية. فوجود فرص عمل وتعليم وشروط حياة أساسية جيدة في دول المهاجرات والمهاجرين سيدفع الكثير من الاطفال والنساء إلى عدم المغامرة في الهجرة عبر الصحراء الليبية. ومن المفارقة بمكان أن متطلباتهم/هن وأحلامهم/هن بسيطة جدا ويمكن تحقيقها بمشاريع أقل تكلفة من مشاريع وقف الهجرة. على سبيل المثال: توفير مدرسة ومياه شرب وطبيب يعالجهم في قريتهم وبلدهم أمر ليس صعب على الدول التي تنزعج من وصولهم إليها.