جائحة كورونا اختبار قدرات للمجتمع المدني الليبي
تتواجد في ليبيا ما يزيد عن 200 منظمة مجتمع مدني متخصصة في المجال الصحي، يُديرها أطباء متخصصين في كل المجالات الصحية، وقرابة 300 منظمة في المجال التوعوي. هذه الأعداد الكبيرة للمنظمات تجعلك تتوقع أن ينعكس ذلك على وجود حراك مكثف يقدم حلول للتعامل مع جائحة كورونا، خاصةً في دولة تواجه صعوبات وهشاشة في الجانب الصحي، سواء كانت هذه الحلول على مستوى وضع وتطوير السياسيات أو من ناحية تحسين الخدمات.
قرب منظمات المجتمع المدني وتلامسها المباشر مع الناس يمنحها أفضلية للتحرك خاصة في المرحلة ما قبل الإعلان الرسمي على تطبيق الحظر في ليبيا، ولكن على أرض الواقع، فعكس ذلك تمامًا، حيث نُفذت حملات محدودة غير مؤثرة، يفتقد أغلبها للمعايير الصحية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية. بعض هذه الحملات نفذتها منظمات قامت بتوزيع مطويات بشكل مباشر على المارة دون مراعاة تطبيق المعايير الصحية والتباعد الاجتماعي! وفي جانب آخر حاولت بعض المنظمات العمل على تلبية الاحتياجات الغذائية للأسر ذات الدخل اليومي المحدود والتي تأثرت بشكل مباشر من جائحة كورونا، إلا أن الاحتياج يفوق قدرات منظمات المجتمع المدني المادية، ويفوق قدرتها على إلزام منتسبيها على تطبيق المعايير الصحية المطلوبة؛ كونهم يتعاملون بشكل مباشر مع الأسر المحتاجة.
ولكن ومن ناحية أخرى رأينا بعض المبادرات التي جاءت من منظمات مجتمع مدني محلية في محاولة منها لمواجهة أزمة انتشار الفايروس بالعمل مثلا على تصنيع الكمامات الواقية أو انتاج "ممرات تعقيم" صديقة للبيئة بكميات محدودة جدا وبجهود ذاتية، وبإشراف مجموعة من الأطباء المتخصصين، حيث وزعت على المراكز الصحية والعيادات الخاصة وبعض الجهات الحكومية كوزارة الداخلية والمصارف والمجمعات التجارية وبعض الأسر، لكن تلك المنظمات نفسها لا زالت ترى أن الجهود المشتركة بين منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية لا زالت ضعيفة وتحتاج لعمل مضاعف للتعامل مع جائحة كورونا بأكثر فاعلية.
ريادة الأعمال في مواجهة كورونا
لجائحة كورونا أيضًا تأثير كبير على الوضع الاقتصادي بلا شك، فمحاولات منظمات المجتمع المدني لتخفيف أثر جائحة كورونا على اصحاب المشاريع الصغرى في ليبيا تعتبر محدودة جدًا، وتعتمد بشكل أساسي على المنظمات التي تحصلت على الدعم من المنظمات الدولية. وتعتبر المشاريع الانتاجية الصغرى التي تقودها المرأة هي الأكثر تضررًا من جائحة كورونا لعدة أسباب أبرزها انقطاع سلسلة التوريد، على خلاف نظيراتها التي تقدم الخدمات عبر التسويق الإلكتروني، والتي تعتبر أكثر استقرارًا، واستفاد بعضها بشكل كبير من الإغلاق التام الذي فرض في بداية انتشار الفايروس في مضاعفة أرباحها.
وإن كان الجانب الاقتصادي يعتبر الأكثر تضررا من انتشار الفايروس ليس في ليبيا فقط وإنما في كل دول العالم الأخرى، إلا أن الجانب النفسي والاجتماعي تأثر بشكل كبير خاصة عند الفئات الأكثر ضعفا. وبرغم المبادرات التي أطلقت هنا وهناك والتي كان بعضها بالتنسيق مع الجهات الحكومية في ليبيا والمهتمة بالجانب الاجتماعي، والتي عملت منظمات المجتمع المدني في ليبيا من خلالها على إطلاق مجموعة من الحملات الرقمية للتوعوية بخطر الجائحة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي بمشاركة أخصائيين ومُرشدين في مجالات الدعم النفسي والاجتماعي والتربية الخاصة، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج كالخط الساخن، إلا أن هذه المبادرات لم يكن لها صدى كبير بين أفراد المجتمع الليبي ولم تلقى رواجا عند جميع أفراده؛ نظرا لغياب الدعم و محدودية الموارد التي تعمل بها هذه المنظمات. ولعل أبرز القضايا الناتجة عن أزمة جائحة كورونا والتي تعمل بعض المنظمات على معالجتها هي (العنف الأسري والقلق والخوف والتوتر) خاصة على الفئات الضعيفة كالمرأة والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة، ولكن لم تقدم هذه المبادرات حلولا ملموسة في احتواء هذا القضايا أو حتى الاستعداد لمعالجتها.
أزمة ثقة متبادلة؟
ومن التجارب العملية المحدودة التي خاضتها منظمات المجتمع المدني الناشطة في المجال الصحي كشريك للجهات الصحية الحكومية في مواجهة جائحة كورونا ولم يكتب لها الاستمرار، هو مثلا ما أعلنته منظمة تعرف بمنظمة بوابة الشمس الصحية عن انسحابها من العمل داخل المركز الصحي بمنطقة زله الواقعة في الحدود الإدارية لمنطقة الجفرة بعد قضاء عدة أشهر من العمل داخله، وأرجعت أسباب انسحابها إلى عدم التزام الناس بالإجراءات الصحية والمشاكل التي طالت أعضاءها من التعامل المباشر مع الناس وتقاعس بعض الجهات الصحية عن استكمال ما قامت به المنظمة من عمل داخل المركز الشيء الذي حملها التزامات فوق قدراتها.
قلة ثقة الجهات الحكومية بعمل المنظمات، وعدم اقتناعها بأنها شريك مهم ومكمل لعملها، كان واضحًا من خلال تركيبة اللجان التي شُكلت للتعامل مع جائحة كورونا والتي تخلو من مشاركة منظمات المجتمع المدني العاملة في المجال الصحي، سواء من حيث وضع السياسات أو من خلال فرق الرصد والمتابعة.
لذلك تعتبر المحاولات التي قامت بها منظمات المجتمع المدني في التعامل مع جائحة كورونا، ضعيفة مقارنة بحجم القطاع المدني في ليبيا والذي يتجاوز 6 آلاف كيان! وعدم معرفة التأثير الحقيقي لهذه المحاولات على سلوكيات الناس وهل زادت من وعيهم بقواعد الصحة الأساسية من عدمه. كما أنه ومن الواضح للعيان ومن خلال التجول في الأماكن العامة والشوارع أنه من النادر ما تشاهد شخص يرتدي كمامات وقفازات ويتبع قواعد التباعد الاجتماعي، بالإضافة إلى تفاقم الوضع الصحي وازدياد حالات الإصابة وكل هذه تعتبر مؤشرات على عدم تأثير هذه المحاولات على مواجهة جائحة كورونا، فأغلب المنظمات تربط التأثير الإيجابي بتوفر الدعم المالي مما يجعلنا نطرح سؤال: هل منظمات المجتمع المدني في ليبيا قادرة على التعامل مع الكوارث الإنسانية؟
عادةً ما تكون منظمات المجتمع المدني نشطة وقادرة على الحركة والتعامل مع الكوارث ذات الطابع الإغاثي، كمساعدة النازحين والمهاجرين من توفير الغذاء والمستلزمات الضرورية للحياة وهي شريك فعال للجهات المحلية والأجنبية التي تعمل على هذا الجانب، في حين تُكبل حركتها وتقل ديناميكيتها في التعاطي مع الكوارث ذات الطابع الصحي أو البيئي أو الحقوقي، ما أرجعه إلى هشاشة بنائها الداخلي من التخطيط السليم إلى وضع البرامج المتفقة مع الأهداف، زيادة على ضعف نظامها الإداري والمالي، وعدم قدرتها على تكوين الشبكات والتحالفات واستقطاب المتطوعين.
ولكي تتمكن منظمات المجتمع المدني من تطوير قدراتها على الاستجابة والتعامل مع الكوارث بشكل أكثر فاعلية، يتعين على الدولة أن تهيئ لها البيئة التشريعية والتنظيمية والبرامجية اللازمة، كما يتعين أيضًا على الجهات الأجنبية والدولية الداعمة توجيه دعمها نحو تطوير البناء الداخلي لمنظمات المجتمع المدني وتبنى برامج من شأنها تعزيز هذا الدور، ونقل خبرتها في التعامل مع الأزمات لمنظمات المجتمع المدني الليبية، فالمسألة تشاركية وتكاملية بين كل هذه الجهات.