25.03.2024

المرأة التّونسيّة والفلاحة: النّضال من أجل توفير الحماية ونيل الحقوق

اشتهرت تونس في العصور القديمة بمخازن الحبوب الوفيرة. واليوم، تواجه البلاد مجموعة متنوّعة من المشاكل الفلاحيّة التي تؤثّر بشكل مباشر على ظروف العمل، لا سيّما بالنّسبة للنّساء.

يعاني الفلّاحون في تونس من ندرة المياه والارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف والأسمدة. ومن أجل الاستمرار في تحقيق الأرباح، فإنّهم يُخضعون عمّال المزارع لظروف عمل غير مستقرّة: فالتّبعيات الاجتماعيّة، وظروف العمل غير الآمنة، والأجور المنخفضة تمثّل مشكلة، لا سيّما بالنّسبة للنّساء اللاّتي يقدّمن مساهمة كبيرة في المجال الفلاحيّ في البلاد.

ونظرًا لسوق العمل المنهك في المدن وطرق الهجرة المسدودة، غالبًا ما لا يكون أمامهمنّ خيار آخر سوى قبول هذه الظّروف. ويعود أصل هذه الظّروف البائسة للعاملات الفلاحيّات التّونسيّات إلى التّاريخ الاستعماريّ للبلاد.

تركيز السّياسة الاقتصاديّة على الزّراعة التّصديريّة يضع صغار الفلّاحين تحت ضغط متزايد.

ينبع الوضع غير المستقرّ للعمّال الفلّاحيّين في تونس من الزّراعة الموجّهة للتّصدير التي أنشأها الحكّام الاستعماريّون الفرنسيّون باعتبارها حجر الزّاوية في السّياسة الاقتصاديّة الاستعماريّة. وقد أدّى ذلك إلى مصادرة الأراضي وموجات نزوح لتحقيق أقصى قدر من السّيطرة على الصّادرات، وبالتّالي تحقيق أعلى ربح ممكن. وبعد حصولهم على الاستقلال في عام 1956، كان العديد من الفلّاحين يأملون في استعادة أراضيهم. ومع ذلك، فإنّ الحكومة الجديدة برئاسة الحبيب بورقيبة، التي تهدف إلى تصنيع البلاد من خلال مناجم الفوسفات والزّراعة الحديثة، أبدت اهتمامًا ضئيلًا بالهياكل الفلاحيّة الصّغيرة. ونتيجة لذلك، لم تتمّ إعادة الأراضي إلى الفلّاحين، وأصبح من الممكن تنفيذ خطط الحكومة المتعلّقة بالفلاحة على نطاق واسع بسهولة أكبر. ومن الواضح أنّ الإصلاحات الجديدة كانت موجّهة نحو الزّراعة التّصديريّة والمزارع واسعة النّطاق، وهو قطاع مربح استمرّ في تأمين سلطة الحكومة حتى بعد حصول تونس على الاستقلال. وعليه، أصبحت زراعة الزّيتون والتّمور، المخصّصة للتّصدير في المقام الأوّل، بارزة.

وإضافة إلى ذلك، أدّت جهود التحديث الاشتراكي، في فترة السّتّينيات والسّبعينيات، إلى إنشاء تعاونيّات ضخمة، ممّا تسبّب في الواقع في خسارة العديد من صغار الفلّاحين ليس فقط أراضيهم ولكن أيضًا موارد الإنتاج الأساسيّة مثل البذور أو آلات الحصاد. وبعد فشل عمليّة التّجميع القسريّة من أعلى إلى أسفل في أواخر السّبعينيات، تمّت إعادة الأراضي جزئيّا. ومع ذلك، واجه الفلّاحون صعوبة متزايدة في الوصول إلى البذور المدعومة وآلات الحصاد، كما أدّت التّطوّرات العالميّة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف والأسمدة بشكل مستمرّ. وزادت المنافسة المتزايدة على المياه على مرّ السّنين من الضّغط على الفلّاحين، الذي انتقل بسهولة ليستقرّ على أكتاف عمّال المزارع الذين يعملون بجدّ.

وحتّى يومنا هذا، تؤدّي السّياسة الفلاحيّة التّونسيّة إلى إفقار سكّان الريف. وقد تمّ إحباط المطالب السّابقة للفلّاحين بإجراء إصلاحات لتحسين الظّروف المعيشية في المناطق الرّيفيّة سياسيّا ودوليّا بسبب التّركيز الحاليّ على التّصدير. وتستمرّ هذه السّياسة في التّأثير على الأمن الغذائيّ للشعب التّونسيّ.

محاصرات في فخّ التّبعيّات: واقع العاملات في المزارع

تؤثّر عواقب السّياسات الفلاحيّة الفاشلة بشكل غير متناسب على النّساء الرّيفيات، لأنّهن يشاركن على نطاق واسع في زراعة الكفاف (اقتصاد الاكتفاء الذّاتيّ دون فائض إنتاج أو معاملات نقديّة) والعمل الإنجابيّ. ويعني هذا الأخير ضمنا أنّ المرأة تلعب دورا حاسما في الأمن الاقتصاديّ للأسر الأكثر فقرا، حيث تخصّص جزءا كبيرا من دخلها لتغذية أفراد الأسرة الآخرين والإنفاق على صحّتهم وتعليمهم، بما في ذلك الأطفال. وسرعان ما أصبحت الضّغوط الماليّة والمادّية النّاجمة عن التّوسّع في الزّراعة الموجّهة للتّصدير واضحة في هذه المناطق. ووفقا لتقرير صدر عام 2016 عن وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصّيد البحريّ التّونسيّة، تشكّل النّساء الرّيفيّات 35 في المائة من جميع النّساء التّونسيّات، و58 في المائة من القوى العاملة الرّيفيّة. ومن خلال عملهنّ ومساهمتهنّ في الأمن الغذائيّ للبلاد، تشكّل المرأة الرّيفيّة حلقة حيويّة في القطاع الفلاحيّ التّونسيّ.

ومع ذلك، فإنّ النّساء على وجه التّحديد هنّ اللاّتي لا يحصلن على أيّة حماية في سياق عملهنّ المهنيّ، وبالتّالي يقعن في شرك وضعهنّ الشّخصيّ. وإذا كانت الأسرة تمتلك أرضا، فإنّها عادة ما تنتقل إلى أفراد الأسرة الذّكور، ممّا يترك المرأة دون ضمان طويل الأجل. ولا شكّ أنّ كلّ ذلك يمثّل سلسلة من التّبعيّات ونقص في الموارد الماليّة تجعل من الصّعب على النّساء التّحرّر من هذا الوضع أو الدّفاع عن حقوقهنّ.

ونظراً لمحدودية البدائل وارتفاع معدّلات البطالة في المدن، إلى جانب نقص الدّعم الحكوميّ، كثيرا ما تضطرّ النّساء العاملات في الفلاحة إلى قبول أيّ أجر متاح، خاصّة عندما تعتمد أسرهنّ على الدّخل. وبالإضافة إلى الأجور المنخفضة، فإنّهنّ يواجهن ساعات عمل غير متناسبة فيما يتعلّق بشروط العقد: حيث أصبح تجاوز الحدّ الأقصى القانونيّ لساعات العمل اليوميّة البالغة تسع ساعات، بما يصل إلى 13 ساعة في اليوم، في درجات حرارة مرتفعة، أمرا شائعا. كما أنّ العمل يتمّ في المقام الأوّل في أماكن غير رسميّة، وغالبًا ما لا يترك مجالًا كبيرًا للتّفاوض.

وغلى جانب ذلك، تفتقر العديد من العاملات إلى وسائل النّقل الشّخصيّة، ويقوم ما يسمّى ب"الوسطاء" بتوفير وسائل النّقل ونقل النّساء إلى مختلف المشاريع الفلاحيّة. وفي المقابل، يقتطعون جزءا من أجور العاملات البخسة أصلا. وفي حين أنّ هذا قد يبدو حلاّ عادلا إلى حدّ ما للوهلة الأولى، إلاّ أنّه يطرح مشاكل للنّساء. ففي كثير من الأحيان، تكون وسائل النّقل محفوفة بالمخاطر، حيث يتمّ نقل النّساء عادة على متن شاحنات صغيرة قديمة، وتشكّل الطّرق وظروف القيادة مخاطر خاصّة عليهنّ. وقد سجّلت منظّمة المنتدى التّونسيّ للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة (FTDES) 50 حالة وفاة وإصابة حوالي 700 عاملة فلاحيّة على مستوى البلاد بين عامي 2015 و2021.

مزيد من الحماية دون وسطاء؟ مقاربات تقود إلى طريق مسدود

يعاني العملة الفلاحيّون بشكل عامّ، بسبب عملهم ذي الطّابع غير الرّسميّ، من الحرمان من حماية الدّولة. ويستثنى من ذلك العاملات الفلاحيّات اللاّتي لا يتعاوننّ مع وسطاء: فبينما يكثر استخدام الوسطاء في المناطق الشّماليّة ذات الزّراعات الكبرى، وكذلك في محيط القيروان وسيدي بوزيد، فإنّ العمل الفلاحيّ الذي تقوم به النّساء في المناطق الجنوبيّة والمناطق التي تتميّز بالفلاحة ذات الطّابع الأسريّ يحدث بشكل متزايد في علاقة حسن الجوار.

وغالبًا ما تؤدّي الرّوابط الاجتماعيّة بين الفلّاحين والعاملات الفلاحيّات إلى تحسين ظروف العمل. ويستفيد الفلّاحون من حقيقة أنّ النّساء العاملات كمساعدات في الحصاد بشكل غير رسميّ على دراية بأنشطة التّشغيل والحصاد. وبالنّسبة للعاملات في المزارع، تكمن الميزة في عدم الاعتماد على وسائل النّقل، كما أنّ علاقة الجوار توفّر مساحة أكبر للتّفاوض على أجورهنّ. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد في بعض المناطق ضمان اجتماعيّ حيث تتمّ تغطية المرأة من خلال العمل الرّسميّ لأحد أفراد الأسرة الذّكور عادة.

ومع ذلك، فإنّ شبكة معقّدة من التّبعيّات السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة لا تزال قائمة، لا سيّما بالنّسبة للنّساء اللاّتي، بالإضافة إلى العمل المأجور، يواصلن القيام بجزء كبير من العمل الإنجابيّ، ممّا يجعلهنّ أكثر عرضة لظروف العمل الاستغلاليّة. وبالرّغم من أنّ اتّفاقيّات الأحياء تحمل في طيّاتها في كثير من الأحيان وعودا بمزيد من الحماية وأجور أعلى مقارنة بالعمل مع الوسطاء، إلاّ أنّ الحلول الشّاملة لتحقيق العدالة في الأجور وتوفير الحماية المحدّدة للعاملات في المزارع لا تزال ضروريّة. ويشمل ذلك علاقات العمل المنظّمة تعاقديّا، والحدّ الأدنى للأجور، وفرص العمل البديلة خارج القطاع الفلاحيّ. وهنا، تقع على عاتق الدّولة التّونسيّة مسؤوليّة تعزيز الحقّ في الضّمان الاجتماعيّ وحماية المرأة المكفول دستوريّا. ومع ذلك، فإنّ إصلاح السّياسة الزّراعيّة، مثل الأسعار العادلة للمنتجات الفلاحيّة، ضروريّ أيضًا لضمان الأمن الغذائيّ المستدام. وهذا يهمّ جميع الشّركاء التّجاريّين والمستهلكين الذين يستفيدون من منتجات التّصدير الرّخيصة من تونس، وبالتّالي يلعبون دورا في سلسلة التّبعيّات.

 

تستند المعلومات الأساسية لهذه المقالة إلى مقابلة مع الدكتور كريسون ثاين، جامعة بريمن.

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de