03.07.2024

القضاء على ثقافة النّفايات

إنّ الحقّ في الإصلاح سيكون له أثر أكبر من مجرّد حماية الحقوق الاجتماعيّة للأوروبيّين – إنّه يشكّل أيضا خطوة حاسمة في قمع الرّأسماليّة الجامحة.

إنّ حقوق المستهلك هي حقوق اجتماعيّة. والعواقب المدمّرة التي تنجم عن مجمل التّجارة بالنّسبة للبشر والبيئة تتطلّب الدّفاع عن تلك الحقوق. وفي هذا السّياق، اعتمد البرلمان الأوروبيّ مؤخّرا قواعد مشتركة لتعزيز إصلاح السّلع (the repair of goods). وهذا القانون لن يقتصر على حماية الحقوق الاجتماعيّة للأوروبيّين وحسب، ولكنّه سيشكّل أيضا خطوة حاسمة في قمع الرّأسماليّة الجامحة، التي خلقت ثقافة الاستهلاك وعقليّة متكاملة ضدّ القيام بالإصلاحات.

قليلون هم من يتحمّلون عناء مواجهة الرّاحة المكتسبة من التّخلّص من محمصة الخبز القابلة للإصلاح بمثل هذه الاستفسارات المزعجة، من قبيل ما الذي يحدث لها من بين 35 مليون طنّ من النّفايات التي ينتجها الأوروبيّون سنويّا. هناك، على بعد حوالي 7000 كيلومتر في أماكن مثل أغبوغبلوشي (Agbogbloshie) في ضواحي العاصمة الغانيّة أكرا، يُشاهد الأطفال، في مسار حياتهم العاديّة، وهم يكتسحون أكوام مئات الآلاف من الأجهزة الكهربائيّة العاطلة وغير القابلة للإصلاح الملقاة في أفريقيا بدلاً من الذّهاب إلى المدرسة. إنّهم كانوا ولا زالوا يسيرون جنبًا إلى جنب مع آبائهم يوميّا، بحثًا عن المعادن الثّمينة، مثل الإنديوم، والبلاديوم، والذّهب، والنّحاس. هذه هي الطّريقة الوحيدة التي يجنون بها المال من أكوام النّفايات الإلكترونيّة الملقاة في أفريقيا والتي بلغت 0.55 مليون طنّ عام 2019 وحده. ليس ذلك فقط، فالمرض الذي تتسبّب فيه الأبخرة السّامة التي يفرزها حرق الأجهزة الالكترونيّة لاستخراج المعادن ينخر أجسادهم. وكذلك طعامهم، مثل بيض الدّجاج، تنخره الملوّثات العضويّة الثّابتة. ولذلك، سيكون من القسوة الإشارة إلى أنّ حياتهم تساهم في إعادة التّدوير العالميّة، وسيكون من المهمّ الاستفادة من حقّ الإصلاح في إنهاء مثل هذه الآفات الاجتماعيّة من خلال فرض التزامات على منتجي السّلع المباعة في أوروبا وبائعيها ومستورديها وموزّعيها.

وهكذا، يهدف القانون إلى مستوى عال من حماية المستهلك. أوّلاً، تستجيب الحاجة إلى مثل هذه الوصاية لتغيّر في الأعراف الاجتماعيّة، بعد أن تمّ قبول التّصوّر المتعلّق بمواطني البلدان كمستهلكين عالميّين، والذين منحهم القطاع العامّ بعد ذلك الحقوق المنصوص عليها في قوانين المستهلك للحماية من الحقائق التي تنتجها السّوق الحرّة غير المنظّمة، بما في ذلك ثقافة النّفايات الفرعيّة. ثانيا، يتعلّق السّياق الاجتماعيّ الثّاني لهذا القانون بالبيئة الطّبيعيّة، أي الفضاء الاجتماعيّ. هنا، سيقدّم الحقّ في الإصلاح ثلاث مساهمات: المساهمة الأولى ستكون من خلال الحدّ من التّدهور البيئيّ النّاجم عن استخراج الموارد الطّبيعيّة، مثل الإنديوم المستخدم لإنتاج أشباه الموصلات. والثّانية، وهي تتعلّق بالسّلع المنتجة داخل الاتّحاد الأوروبيّ، فإنّ الحقّ في الإصلاح سوف يسهم في الحدّ من انبعاثات الغازات الدّفيئة التي يصدرها الاتّحاد الأوروبيّ سنويّا والتي تبلغ 261 مليون طنّ. وأخيرا، سيسهم القانون، من حيث أنّه ينطبق على المصنّعين في مختلف أنحاء العالم، في خفض الانبعاثات على مستوى العالم، حيث من غير المرجّح أن يعاني المصنّعون من حماقة اقتصاديّة من خلال إنتاج سلع قابلة للإصلاح لصالح الاتّحاد الأوروبيّ وسلع غير قابلة للإصلاح لمناطق أخرى من العالم.

تغيّر في الثّقافة

مع الحقّ في الإصلاح ومساهماته في تحويل الصّفقة الخضراء للاتّحاد الأوروبيّ من الأمل إلى الواقع، أظهر الاشتراكيّون والدّيمقراطيّون في البرلمان الأوروبيّ لزملائهم كيف يمكن ترويض الشّركات، التي غالبا ما تضع تحقيق الرّبح قبل أيّ شيء آخر، لتصبح جزءا من حلول تغيّر المناخ. وبهذه الطّريقة، يغذّي القانون بذرة الأمل في إمكانيّة عكس المدّ الذي يتدفّق بواسطة وحش التّجارة الهائج الذي لا يشبع، والذي اجتاح المجتمعات البشريّة لفترة طويلة للغاية، وحوّلها إلى أسواق. وفي حين يناضل البعض من أجل التّوفيق بين النّموّ الهائل لعدد سكّان العالم الذي يبلغ الآن ثمانية مليارات نسمة، وقدرات كوكب الأرض المحدودة على دعم الحياة، فإنّ التّجارة تتصوّر بدلا من ذلك سوقا متنامية.

يقدّم الحقّ في الإصلاح مساهمات ذات معنى وعمليّة حول مسألة "كيف يجب أن نعيش"."

في هذا السّياق، احتجّت بعض الأصوات في وقت سابق في البرلمان الأوروبيّ. حيث أكّد عضو البرلمان الأوروبيّ الإسبانيّ السّابق "استبيان غونزاليس بونس" (Esteban Gonzáles Pons) أنّ "أوروبّا ليست سوقا، بل هي إرادة العيش معا". تلك "الإرادة" تمّ التّعبير عنها في قانون الحقّ في الإصلاح، حيث أنّ من شأنه أن يحوّل المجتمعات الأوروبيّة هيكليّا وثقافيّا من خلال تعزيز الارتباطات الاجتماعيّة القائمة على حسن الجوار في المزيد من "مقاهي الإصلاح". تلك المقاهي التي قال عنها "رينيه ريباسي" (René Repasi)، المقرّر المعنيّ بقانون الحقّ في الإصلاح بصوت فيه شيء من الدّفء، أنّها ستكون "مزيجًا من كونها مكانًا مجتمعيّا تلتقون فيه، وفي نفس الوقت، تجتمعون فيه بخبراء يمكّنونكم كمواطنين إجراء إصلاحات على أرض الواقع". ولكن ما هو أهمّ هو أنّ مقاهي الإصلاح تلك ستوفّر قطع الغيار.

إذن، يقدّم الحقّ في الإصلاح مساهمات ذات معنى وعمليّة في مسألة "كيف يجب أن نعيش". هو تساؤل تغمره النّغمات الأخلاقيّة العميقة. ولكن من خلال تغيير ثقافة الإهمال غير المستدامة إلى ثقافة تهيمن عليها ممارسات الحقّ في الإصلاح بشكل مستدام، فإنّ ذلك سوف يحقّق هذا الهدف على وجه التّحديد. وهكذا، استجابت المجموعة البرلمانيّة التي ضمنت الحقّ في الإصلاح – لجنة السّوق الدّاخليّة وحماية المستهلك – بشكل جيّد لمسألة التّوازن الحاسمة التي تنتج عن حاجتنا إلى العيش ضمن حدود موارد الأرض من خلال المواءمة بين الحقوق الاجتماعيّة، والنّموّ الاقتصاديّ، وحماية البيئة. وهي نفس المجموعة، التي تعمل على تقليل الهدر في الأجهزة الإلكترونيّة الاستهلاكيّة، التي تجاهلت ادّعاءات شركة تصنيع أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللّوحيّة الأمريكيّة بأنّ الشّاحن المشترك يخنق الابتكار. وهي أيضا التي أقرّت قرارا اعتمده البرلمان ودخلت حيّز التّنفيذ الشّهر الماضي، والتي تتطلّب أن يكون المسرى التّسلسلي العامّ من نوع سي أو اختصارا يو آس بي-سي (USB-C) المنفذ القياسيّ لجميع الهواتف الذّكيّة، والأجهزة اللّوحيّة، والكاميرات، وسمّاعات الرّأس، ومكبّرات الصّوت المحمولة، ووحدات تحكم ألعاب الفيديو المحمولة – وبالتّالي تقليل ما يقرب من 1000 طنّ من النّفايات الإلكترونيّة سنويّا.إذن، يقدّم الحقّ في الإصلاح مساهمات ذات معنى وعمليّة في مسألة "كيف يجب أن نعيش". هو تساؤل تغمره النّغمات الأخلاقيّة العميقة. ولكن من خلال تغيير ثقافة الإهمال غير المستدامة إلى ثقافة تهيمن عليها ممارسات الحقّ في الإصلاح بشكل مستدام، فإنّ ذلك سوف يحقّق هذا الهدف على وجه التّحديد. وهكذا، استجابت المجموعة البرلمانيّة التي ضمنت الحقّ في الإصلاح – لجنة السّوق الدّاخليّة وحماية المستهلك – بشكل جيّد لمسألة التّوازن الحاسمة التي تنتج عن حاجتنا إلى العيش ضمن حدود موارد الأرض من خلال المواءمة بين الحقوق الاجتماعيّة، والنّموّ الاقتصاديّ، وحماية البيئة. وهي نفس المجموعة، التي تعمل على تقليل الهدر في الأجهزة الإلكترونيّة الاستهلاكيّة، التي تجاهلت ادّعاءات شركة تصنيع أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللّوحيّة الأمريكيّة بأنّ الشّاحن المشترك يخنق الابتكار. وهي أيضا التي أقرّت قرارا اعتمده البرلمان ودخلت حيّز التّنفيذ الشّهر الماضي، والتي تتطلّب أن يكون المسرى التّسلسلي العامّ من نوع سي أو اختصارا يو آس بي-سي (USB-C) المنفذ القياسيّ لجميع الهواتف الذّكيّة، والأجهزة اللّوحيّة، والكاميرات، وسمّاعات الرّأس، ومكبّرات الصّوت المحمولة، ووحدات تحكم ألعاب الفيديو المحمولة – وبالتّالي تقليل ما يقرب من 1000 طنّ من النّفايات الإلكترونيّة سنويّا.

على الآخرين أن يحذوا حذو أوروبا

إنّ مسألة البيئة ليست مشكلة محلّيّة. وإنّما هي قضيّة عالميّة، لتوضيح ما هو واضح. وهذا يعني أنّ الفوائد الصّافية، التي يمكن جنيها من معالجة المشاكل البيئيّة، لن تكون ممكنة إلاّ عندما يتمّ حلّ هذه المشاكل في وقت واحد في جميع أنحاء العالم. ولذلك، فإنّ سياسات مماثلة لابدّ أن تدخل حيّز التّنفيذ الآن، لا سيّما في البلدان التي تتّسم بمعدّلات استهلاك غير متناسبة. وبالنّظر إلى آثاره العالميّة، فإنّ الحقّ في الإصلاح يوفّر نموذجا لتطوير تشريعات مماثلة في بلدان أخرى. ولا شكّ أنّ مثل هذه التّدابير تمثّل حاجة ملحّة لأنّ الاختلافات في الاقتصادات الوطنيّة تتّجه بشكل متزايد نحو المعاناة الإنسانيّة الجماعيّة النّاجمة عن المشاكل البيئيّة العالميّة التي لا تعترف بالحدود الوطنيّة. وعليه، فإنّ القواعد وطرق تنفيذها تهدف إلى تقليل النّفايات والمساعدة في تغيير السّلوك البشريّ، بحيث لا يتمّ وضع غسّالة قابلة للإصلاح مزوّدة بأنبوب مياه متهالك في رحلة عبر المحيط الأطلسي إلى مكبّ نفايات في أفريقيا. ولا بدّ أن تتمّ مناقشة هذا الأمر خلال قمّة المستقبل (Summit of the Future) التي ستعقدها الأمم المتّحدة في سبتمبر.

واليوم، بعد استعادة هذا الحقّ الاجتماعيّ، أصبح على الأوروبيّين واجب تجاه هذا الحقّ يقترب من مستوى الالتزام الأخلاقيّ.

لقد جاء الحقّ في الإصلاح في الوقت المناسب للتّغلّب على خطأ شائع يساهم في ثقافة الهدر، وهو تصوّر الابتكارات التّكنولوجيّة على أنّها تقدّم. ويأتي هذا القانون قبل ستّ سنوات من الموعد المتوقّع لإنتاج حوالي 74 مليون طنّ من النّفايات الإلكترونيّة في البلدان التي يكثر فيها مثل هذا الخطأ. ويجب ألاّ يؤدّي "التّقدّم" التّكنولوجيّ إلى هدر غير ضروريّ، مثلما قد يحدث عندما تتعطّل آلة صنع القهوة، المجهّزة ببرنامج ما. وبما أنّه لن يستمتع أيّ مستهلك باحتمالات حلّ المشكلات في جزء من البرنامج الذي قد لا يتمكّن من الوصول إليه في السّاعة 6 صباحًا، فإنّ منطق الشّركة المصنّعة يترسّخ في ذهن المستهلك – الذي يشتري بعد ذلك ببساطة جهازا جديدا. وإضافة إلى ذلك، لا يمكن وصف توليد النّفايات على هذا النّحو بأنّه تقدّم مبتكر، لا سيّما بالنّظر إلى أنّه لا يوجد تحسّن ممكن في مذاق قطعة خبز من خلال تحميصها على آلة مزوّدة بشاشة تعمل باللّمس. وعليه، يواجه الحقّ في الإصلاح مثل هذا التّقادم المخطّط له – الممارسة المسرفة التي تقوم بها الشّركات المصنّعة لتحديد العمر الافتراضيّ للمنتج ودمج ذلك في منتجهم تحت ستار الابتكار التّكنولوجيّ.

واليوم، بعد استعادة هذا الحقّ الاجتماعيّ، أصبح على الأوروبيّين واجب تجاه هذا الحقّ يقترب من مستوى الالتزام الأخلاقيّ. ذلك أنّ مثل هذه الحقوق تشبه القوانين، التي إذا لم تمارس، تصبح مع مرور الوقت خاملة وميّتة. وهذا يعني أنّ الأوروبيّين لابدّ أن يسمحوا بتغيير السّلوكيّات والمواقف التي يسعى إليها حقّهم، حتّى ولو كانت ممارسة هذا الحقّ تتعارض مع الأعراف الاجتماعيّة مثل الرّاحة. ولكن، وفي نفس الوقت، لا يجب أن تكون تلك المهمّة شاقّة، لأنّ كلّ مستهلك، في نهاية المطاف، ملزم بالعمل على حماية البيئة. وعلى هذا، من الجيّد أنّ ما يقرب من 80% من الأوروبيّين "يشعرون بالمسؤوليّة الشّخصيّة للعمل على الحدّ من تغيّر المناخ". ولا شكّ أنّ تحمّل المسؤوليّة يعني ضمنا التزاما أخلاقيّا تجاه البيئة. ولكن عبء النّفاق على المطالبات الأخلاقيّة، مثلما هو الأمر فيما يتعلّق بالمعايير البيئيّة والإنسانيّة المشتركة، لا يمكن تخفيفه إلاّ حين تكون تلك المطالبات صالحة عالميّا.

مايكل ديفيز-فين محلل سياسات عامة وخبير اتصالات. وهو يعمل في مجال الحوكمة البيئية العالمية مع التركيز على تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه بين المناطق النامية والمتقدمة. وهو زميل مبتدئ في جامعة فريجي بأمستردام.

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de