نعني بقوانين الأحوال الشخصية القوانين التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم، ومن المتعارف عليه في ليبيا أن الدولة تترك المعاملات الشخصية لشريعة الأشخاص الدينية التي تفرض عليهم تنظيم معين من الإباحة والتحريم.
مسائل الأحوال الشخصية في ليبيا ومنذ الاحتلال الإيطالي تفصل فيها المحاكم الشرعية وفق قواعد الفقه المالكي، دون أن تكون مدونة في شكل نصوص قانونية.
بعد استقلال ليبيا سنة 1951، وبصدور قانون نظام القضاء سنة 1954، صار تطبيق المذهب المالكي ملزماً بموجب نص المادة (17) من القانون، بحيث يلتزم القاضي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وفقاُ لأرجح الأقوال من مذهب الإمام مالك، وهو أيضا ما نُص عليه في قانون الإجراءات الشرعية، الصادر سنة 1958، ويقصد بالراجح من الأقوال: القول الذي يستند إلى دليل قوى وأن كان عدد القائلين به قليل، ويقابله القول الضعيف.
وحين صدور المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1964، نص على تطبيق المشهور من مذهب الأمام مالك، وما جرى به العمل من أحكامه، ويقصد بالمشهور: ما كثر القائلون به وإن كان لا يستند إلى دليل قوى، ويقابله القول الشاذ.
أما مفهوم ما جرى العمل به: فهو ما حكم به أحد القضاة أو أفتى به بعض المفتين ممن ثبتت عدالتهم واطلاعهم وقدرتهم على تطبيق النصوص على القضايا.
وقد اتجه المشرع الليبي في القانون رقم 10 لسنة 1984 مثلاً للأخذ من جميع المذاهب الفقهية الإسلامية، ونص بالمادة (72/ب) منه على تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون فيما لم يرد بشأنه نص، وعليه لم تعد المحاكم ملزمة بالأخذ بالمشهور بمذهب الامام مالك في حالة عدم وجود نص في القانون.
تثير قوانين الأحوال الشخصية الليبية مآزق دستورية لافتة فيما يتعلق بحقوق المرأة؛ فمناصري المرأة يرون في بعض نصوص تلك القوانين مخالفة دستورية، فيما يرى "مناهضي حقوق المرأة" في بعضها الآخر مخالفة دستورية وفقاً لرؤية مختلفة.
من هذا المنطلق صار لزاما البحث عن معنى دستورية قوانين الأحوال الشخصية، هل هي دستورية مدنية أم دستورية دينية؟ وما هي القاعدة الدستورية المحتكم إليها في بيان مدى دستورية قوانين الأحوال الشخصية؟ هل هي مادة مساواة المواطنين أمام القانون وبالتالي نقصد دستورية مدنية، أم مادة علوية الشريعة باعتبارها مصدر التشريع وهنا تكون الدستورية دينية؟
وهنالك عدة امثلة على بعض هذه المأزق الدستورية تمثلت في عدة تطبيقات منها:
في سنة 2015 صدر قانون رقم 14 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الزواج والطلاق رقم 10 لسنة 1984 و نرى أن ديباجة هذا القانون تشير إلى أن التعديلات المنصوص عليها فيه قد أوصت بها لجنة لمراجعة القوانين النافذة وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية كانت قد شَكلت من قبل السلطة التشريعية و المتمثلة في المؤتمر الوطني العام في ذلك الوقت، وتألفت اللجنة من مجموعة أهل علم وخبراء وفقهاء بناء على أوحت به الديباجة.
ولذلك فان الحكمة من وراء إصدار هذا القانون، كما أعلن عنها واضعيه، هي إرادة المشرع في تعديل القوانين الوضعية لتتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
في سنة 2013صدر حكم من الدائرة الدستورية لدى المحكمة العليا، بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 1994، المعدلة للمادة 13 من قانون 10 لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق وذلك لأنها -بحسب الوصف- جاءت مخالفة للشريعة الإسلامية، والتي كانت تنص على انه يجوز للرجل أن يتزوج بإمرة أخرى إذا وجدت أسباب جدية وبتوافر أحد الشرطين الآتيين:
ويترتب على عدم مراعاة أحد هذين الشرطين بطلان الزواج]
فالمادة قيدت "حق" الرجل في الزواج المتعدد الذي اباحته له الشريعة حسب حكم المحكمة العليا , رغم أن المادة كانت دستورية في وقتها وقد صدرت في ظل سياق تشريعي يدعو إلى تقنين الشريعة الإسلامية مثل: قوانين تشريعات الحدود وقانون القصاص والدية.
هواجس نسوية بشأن الوثيقة الدستورية الدائمة
رغم ما نستطيع لمسه من بعض النصوص الواردة في الدستور و التي استطيع القول أنها جيدة للمرأة حيث تستطيع الاعتماد عليها في مطالبة الدولة بحقوقها من خلالها، مثل نص المادة 49 من مسودة مشروع الدستور والمعنون بدعم حقوق المرأة و الذي يعتبر مفيد لها في التصدي الدستوري لقوانين الأحوال الشخصية متى ما كانت مخالفة لحقوقها المتضمنة في تلك المادة؛ و هو أيضا يلزم الدولة سن القوانين التي تكفل حمايتها ورفع مكانتها في المجتمع وتقضي على الثقافة السلبية والعادات الاجتماعية التي تنتقص من كرامتها، فبهذا النص يمكن للنساء المطالبة بحقوقهن الدستورية العامة لحماية حقوقهن القانونية المكتسبة ودعمها ولهن أيضاً الاستعمال الأمثل لحقهن المنصوص عليه في المادة 141 بشأن اللجوء للمحكمة الدستورية في مواجهة السلطة التشريعية إذا لمسن جورا منها. إلا أنه سيكون من المفيد تأطير هذا العمل داخل إطار مؤسساتي من خلال المجلس الوطني لحقوق الإنسان خاصة في ظل التأخير الواضح و غير المبرر في إقرار الدستور نتيجة للانقسامات والتعارضات داخل اللجنة المكلفة بإصداره و الاختلافات السياسية و غيرها و التي شتت عملها، ما جعل المرأة في ليبيا لاتزال مُقيدة بالأحكام و القوانين المعدلة لكي تتوافق و مفهوم الشريعة حسب ما يراه القائمين على اللجان التي يسند لها تعديل هذه الأحكام أو إصدارها .
فمثلا في مشروع الدستور أيضا هناك نص المادة 27 ، -و الذي أراه كمثال آخر جيد للمرأة الليبية يمكن لمسه - التي أكدت على أن من أسس الأسرة: "تكامل الأدوار بين أفرادها" ما يمنح الفرصة للنساء حال إقرار مسودة الدستور، أن ترفع دعاوى عدم دستورية القانون رقم 14 لسنة 2015 بشأن تعديل بعض نصوص قانون الأحوال الشخصية، حيث أن هذا القانون لم يحترم تكامل الأدوار بين الزوج والزوجة في كثير من مواده مثل تعديله للمادة 18 التي تلقي على عاتق المرأة وحدها واجب الاهتمام براحة الزوج واستقراره حسياً ومعنوياً ولا تلزم به الزوج. في المقابل أيضا تعديله للمادة 14 والتي تلغي صحة شهادة النساء على عقد الزواج. وإن كنا نطمح أن يتضمن النص الدستوري التصريح بأن الزواج مشاركة متكافئة بين طرفين متساويين لا يجوز لأي منهما أن يتزوج الآخر برغم إرادته أو يطلقه دون اتفاق إرادتيهما، أو وفق حكم محاكمة عادلة..
و في النهاية أرى أنه ومن المهم أيضا وحتى قبل إقرار الدستور أن يكون الحديث اليوم عن تقييم مسودة مشروع الدستور في حد ذاتها و التي صدرت في 2017 وصولاً للحديث عن الدستور الدائم، ففي الحقيقة أجد أن المادة السادسة المتعلقة بمركز الشريعة في الدستور مقلقة لأنها تحدد مكانة الشريعة باعتبارها المصدر الوحيد للتشريع، ولأنها تضبط كل الحريات والحقوق بضابط عدم مخالفة أحكام الدستور مع الشريعة، وبالتالي قد يحيلنا تطبيق السلطة التشريعية والقضائية لهذه الأحكام الدستورية إلى دولة دينية يقوم عليها مفسرون يضيقون نطاق الشريعة بما يتعارض مع حقوق وحريات النساء.
Share your ideas with our team!
info.mena@fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/