02.10.2020

نظرة " نسوية" لدستورية قوانين الأحوال الشخصية في ليبيا

نعني بقوانين الأحوال الشخصية القوانين التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم، ومن المتعارف عليه في ليبيا أن الدولة تترك المعاملات الشخصية لشريعة الأشخاص الدينية التي تفرض عليهم تنظيم معين من الإباحة والتحريم.

مسائل الأحوال الشخصية في ليبيا ومنذ الاحتلال الإيطالي تفصل فيها المحاكم الشرعية وفق قواعد الفقه المالكي، دون أن تكون مدونة في شكل نصوص قانونية.

بعد استقلال ليبيا سنة 1951، وبصدور قانون نظام القضاء سنة 1954، صار تطبيق المذهب المالكي ملزماً بموجب نص المادة (17) من القانون، بحيث يلتزم القاضي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وفقاُ لأرجح الأقوال من مذهب الإمام مالك، وهو أيضا ما نُص عليه في قانون الإجراءات الشرعية، الصادر سنة 1958، ويقصد بالراجح من الأقوال: القول الذي يستند إلى دليل قوى وأن كان عدد القائلين به قليل، ويقابله القول الضعيف.

وحين صدور المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1964، نص على تطبيق المشهور من مذهب الأمام مالك، وما جرى به العمل من أحكامه، ويقصد بالمشهور: ما كثر القائلون به وإن كان لا يستند إلى دليل قوى، ويقابله القول الشاذ.

أما مفهوم ما جرى العمل به: فهو ما حكم به أحد القضاة أو أفتى به بعض المفتين ممن ثبتت عدالتهم واطلاعهم وقدرتهم على تطبيق النصوص على القضايا.

وقد اتجه المشرع الليبي في القانون رقم 10 لسنة 1984 مثلاً للأخذ من جميع المذاهب الفقهية الإسلامية، ونص بالمادة (72/ب) منه على تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون فيما لم يرد بشأنه نص، وعليه لم تعد المحاكم ملزمة بالأخذ بالمشهور بمذهب الامام مالك في حالة عدم وجود نص في القانون.

دستورية مدنية أم دستورية دينية؟

تثير قوانين الأحوال الشخصية الليبية مآزق دستورية لافتة فيما يتعلق بحقوق المرأة؛ فمناصري المرأة يرون في بعض نصوص تلك القوانين مخالفة دستورية، فيما يرى "مناهضي حقوق المرأة" في بعضها الآخر مخالفة دستورية وفقاً لرؤية مختلفة.

من هذا المنطلق صار لزاما البحث عن معنى دستورية قوانين الأحوال الشخصية، هل هي دستورية مدنية أم دستورية دينية؟ وما هي القاعدة الدستورية المحتكم إليها في بيان مدى دستورية قوانين الأحوال الشخصية؟ هل هي مادة مساواة المواطنين أمام القانون وبالتالي نقصد دستورية مدنية، أم مادة علوية الشريعة باعتبارها مصدر التشريع وهنا تكون الدستورية دينية؟

وهنالك عدة امثلة على بعض هذه المأزق الدستورية تمثلت في عدة تطبيقات منها:

تطبيق قانوني

في سنة 2015 صدر قانون رقم 14 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الزواج والطلاق رقم 10 لسنة 1984 و نرى أن ديباجة هذا القانون تشير إلى أن التعديلات المنصوص عليها فيه قد أوصت بها لجنة لمراجعة القوانين النافذة وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية كانت قد شَكلت من قبل السلطة التشريعية و المتمثلة في المؤتمر الوطني العام في ذلك الوقت، وتألفت اللجنة من مجموعة أهل علم وخبراء وفقهاء بناء على أوحت به الديباجة.

ولذلك فان الحكمة من وراء إصدار هذا القانون، كما أعلن عنها واضعيه، هي إرادة المشرع في تعديل القوانين الوضعية لتتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.

تطبيق قضائي

في سنة 2013صدر حكم من الدائرة الدستورية لدى المحكمة العليا، بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 1994، المعدلة للمادة 13 من قانون 10 لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق وذلك لأنها -بحسب الوصف- جاءت مخالفة للشريعة الإسلامية، والتي كانت تنص على انه يجوز للرجل أن يتزوج بإمرة أخرى إذا وجدت أسباب جدية وبتوافر أحد الشرطين الآتيين:

  1. ـ موافقة الزوجة التي في عصمته أمام المحكمة الجزئية المختصة.
  2. ـ صدور حكم بالموافقة من المحكمة الجزئية المختصة في دعوى تختصم فيها الزوجة.

ويترتب على عدم مراعاة أحد هذين الشرطين بطلان الزواج]

فالمادة قيدت "حق" الرجل في الزواج المتعدد الذي اباحته له الشريعة حسب حكم المحكمة العليا , رغم أن المادة كانت دستورية في وقتها وقد صدرت في ظل سياق تشريعي يدعو إلى تقنين الشريعة الإسلامية مثل: قوانين تشريعات الحدود وقانون القصاص والدية.

هواجس نسوية بشأن الوثيقة الدستورية الدائمة

رغم ما نستطيع لمسه من بعض النصوص الواردة في الدستور و التي استطيع القول أنها جيدة للمرأة حيث تستطيع الاعتماد عليها في مطالبة الدولة بحقوقها من خلالها، مثل نص المادة 49 من مسودة مشروع الدستور والمعنون بدعم حقوق المرأة و الذي يعتبر مفيد لها في التصدي الدستوري لقوانين الأحوال الشخصية متى ما كانت مخالفة لحقوقها المتضمنة في تلك المادة؛ و هو أيضا يلزم الدولة سن القوانين التي تكفل حمايتها ورفع مكانتها في المجتمع وتقضي على الثقافة السلبية والعادات الاجتماعية التي تنتقص من كرامتها، فبهذا النص يمكن للنساء المطالبة بحقوقهن الدستورية العامة لحماية حقوقهن القانونية المكتسبة ودعمها ولهن أيضاً الاستعمال الأمثل لحقهن المنصوص عليه في المادة 141 بشأن اللجوء للمحكمة الدستورية في مواجهة السلطة التشريعية إذا لمسن جورا منها. إلا أنه سيكون من المفيد تأطير هذا العمل داخل إطار مؤسساتي من خلال المجلس الوطني لحقوق الإنسان خاصة في ظل التأخير الواضح و غير المبرر في إقرار الدستور نتيجة للانقسامات والتعارضات داخل اللجنة المكلفة بإصداره و الاختلافات السياسية و غيرها و التي شتت عملها، ما جعل المرأة في ليبيا لاتزال مُقيدة بالأحكام و القوانين المعدلة لكي تتوافق و مفهوم الشريعة حسب ما يراه القائمين على اللجان التي يسند لها تعديل هذه الأحكام أو إصدارها .

فمثلا في مشروع الدستور أيضا هناك نص المادة 27 ، -و الذي أراه كمثال آخر جيد للمرأة الليبية يمكن لمسه - التي أكدت على أن من أسس الأسرة: "تكامل الأدوار بين أفرادها" ما يمنح الفرصة للنساء حال إقرار مسودة الدستور، أن ترفع دعاوى عدم دستورية القانون رقم 14 لسنة 2015 بشأن تعديل بعض نصوص قانون الأحوال الشخصية، حيث أن هذا القانون لم يحترم تكامل الأدوار بين الزوج والزوجة في كثير من مواده مثل تعديله للمادة 18 التي تلقي على عاتق المرأة وحدها واجب الاهتمام براحة الزوج واستقراره حسياً ومعنوياً ولا تلزم به الزوج. في المقابل أيضا تعديله للمادة 14 والتي تلغي صحة شهادة النساء على عقد الزواج. وإن كنا نطمح أن يتضمن النص الدستوري التصريح بأن الزواج مشاركة متكافئة بين طرفين متساويين لا يجوز لأي منهما أن يتزوج الآخر برغم إرادته أو يطلقه دون اتفاق إرادتيهما، أو وفق حكم محاكمة عادلة..

و في النهاية أرى أنه ومن المهم أيضا وحتى قبل إقرار الدستور أن يكون الحديث اليوم عن تقييم مسودة مشروع الدستور في حد ذاتها و التي صدرت في 2017 وصولاً للحديث عن الدستور الدائم، ففي الحقيقة أجد أن المادة السادسة المتعلقة بمركز الشريعة في الدستور مقلقة لأنها تحدد مكانة الشريعة باعتبارها المصدر الوحيد للتشريع، ولأنها تضبط كل الحريات والحقوق بضابط عدم مخالفة أحكام الدستور مع الشريعة، وبالتالي قد يحيلنا تطبيق السلطة التشريعية والقضائية لهذه الأحكام الدستورية إلى دولة دينية يقوم عليها مفسرون يضيقون نطاق الشريعة بما يتعارض مع حقوق وحريات النساء.

Would you like to contribute to this blog?

Share your ideas with our team!

info.mena@fes.de