مع بداية انتشار فايروس كورونا هذا العام بادرت كثير من الدول في التصدي لهذه الجائحة , بتخصيص ميزانيات ضخمة لإيجاد اللقاح المناسب , وتوفير الأجهزة والمعدات , ومراكز الإيواء للمصابين بالإضافة إلى ترشيد الناس للتباعد في تعاملاتهم وتحديد أوقات خروجهم من بيوتهم , ومنع السفر بين المدن وحتى بين الدول,كما قامت الكثير من الدول القادرة على وضع خطط واليات في محاولة لتعويض الشركات والأشخاص الذين تعرضوا ويتعرضون للخسائر من جراء إيقاف أعمالهم حتى يستطيعوا الاستمرار والعودة لنشاطاتهم عند تحسن الظروف.
وليبيا ليست استثناء من كل ذلك ,فبالرغم من أنها لم تعاني من هذه الجائحة إلا في وقت متأخر نسبيا , إلا أن هذا الوباء بدأ بالانتشار سريعا مع بداية شهر يوليو الماضي وزادت حدت انتشاره بعد ذلك بشكل سريع حتى وصل عدد الحالات المصابة اليوم إلى اكثر من 57975 حالة, وهو يرتفع بشكل يومي .
كما هو معلوم يوجد في ليبيا منذ أكثر من خمس سنوات وحثي الآن حكومتان , حكومة الوفاق الوطني في غرب البلاد, والحكومة الليبية المؤقتة في شرق البلاد , كما يوجد أيضا مصرفين مركزيين في شرق البلاد و غربها يحملان اسم مصرف ليبيا المركزي , والفرق بينهما هو أن إيرادات صادرات النفط كلها تصب في المصرف المركزي الموجود في طرابلس و الذي أشار في بيان له في بداية أكتوبر أن حكومة الوفاق قد أنفقت 966 مليون دينار ليبي للتعامل مع انتشار فيروس كورونا وذلك في الفترة حتى نهاية سبتمبر 2020, بينما بيانات مصرف ليبيا المركزي (شرق ليبيا ) تبين أن الحكومة المؤقتة أنفقت 300 مليون دينار لنفس الغرض !
وبالرغم ان الحكومتان قد اعلنتا عن اتخاذهما بعض الإجراءات لمواجهة هذه الجائحة وذلك بتخصيص بعض المستشفيات والمصحات ومراكز إيواء لمعالجة المصابين بالفيروس , إلي جانب ما أعلنتا عنه من توفير بعض الأدوية والمعدات اللازمة للتعامل مع هذا الوضع, لكن ذلك لايزال اقل من الحد الأدنى اللازم لمواجهة هذا الوباء بالمستوى المقبول ,و الواقع أن هناك نقص واضح في توفير هذه الادوية و المعدات وغيرها من الضروريات اللازمة للمرضى وللعناصر الطبية , فالمبالغ المخصصة لم تصرف بالكفاءة المطلوبة ,الي جانب المبالغة في أسعار المشتريات الحكومية وانخفاض جودتها , وهذا لم يكن فقط على مستوى توفير المعدات بل حتى على مستوى الفوضى التي صاحبت إدارة الازمة و الإجراءات التي رافقت تلك الفترة من إعلانات لأغلاق تام و جزئي او منع التنقل بين المدن و غيرها و التي لم تنفذ بالشكل المطلوب و مع الأسف لا شيء هنا يدعوا للاستغراب فهذا يعتبر نتيجة طبيعية للفساد المتجذر في الإدارة الليبية فليبيا صُنفت - حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية 2019 -إحدى الدول العشرة الأكثر فسادا في العالم .
لقد تأثر النشاط الاقتصادي بهذه الجائحة وبتعامل الحكومات في ليبيا معها , فقد أوقفت الدراسة في الجامعات والمدارس بشكل كامل , كما تم إغلاق الكثير من المؤسسات الخدمية والإنتاجية والمصانع والمقاهي والمطاعم والمتاجر ولو بشكل مؤقت في البداية , باستثناء متاجر المواد الغذائية والصيدليات, كما تم تخفيض ساعات العمل في المؤسسات الحكومية الي جانب تخفيض عدد العاملين بها ولكن لم تقم الحكومة ,سواء التي في الشرق أو التي في الغرب بخفض مرتبات الموظفين الذين يعملون بدوام جزئي او الذين بقوا في منازلهم , ولم تقم بالاستغناء عن بعضهم او حتى تسريحهم ,و استمر صرف مرتباتهم , ولم يتأثر طوال تلك المدة و حتى الان بالرغم من أن الجهاز الحكومي يعاني من البطالة المقنعة بشكل عام . و يعزى عدم اتخاذ الحكومات في ليبيا لاي إجراءات حسب رأيي الي الضغوط الاجتماعية القوية التي تمارس علي هذه الحكومات وعدم قدرتها على مواجهة أي حراك او ردة فعل في حال اتخذت أي تدابير قد تكون قاسية في حق موظفي القطاع العام , الذين وبحسب البيانات المتاحة تجاوز عددهم 1.5 مليون موظف, منهم مالا يقل عن 650 ألف مستخدم في قطاع التعليم لوحده ,فموظفي القطاع العام يمثلون النسبة الأكثر من مواطني الطبقة المتوسطة التي أضحت تعاني تردي الخدمات وتدني مستوى المعيشة, و قد طالبوا مراراً و بطرق مختلفة بزيادة مرتباتهم بسبب انخفاض قيمتها الحقيقية نتيجة لارتفاع أسعار السلع وانخفاض قيمة الدينار الليبي مقابل الدولار, حيث ان مالا يقل عن 90% من السلع المعروضة في السوق المحلي مصدرها الاستيراد , مع العلم ان متوسط مرتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 250 دولار أمريكي , مما يشير إلي زيادة معدل السكان الذين يصنفون تحت خط الفقر في بلاد بها اكبر مخزون نفطي في أفريقيا . وما يؤكد ذلك هو عدم توقف صرف المرتبات لموظفي القطاع العام ليس فقط في فترة مواجهة فايروس كورونا بل حتى عند مواجهة توقف عمليات تصدير النفط والذي يعتبر مصدر تمويل الميزانية العامة الأساسي مثل ما حدث يناير الماضي مما ترتب عليه زيادة حجم الدين العام والذي بلغ حوالي 80 مليار دينار ليبي في طرابلس , و50مليار دينار في بنغازي حتى شهر سبتمبر2020. وعلى العكس من ذلك نجد أن القطاع الخاص , وبالرغم من ان مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لا تزال منخفضة بسبب الظروف التي مر بها خلال العقدين الأخيرين إلا انه يعتبر هو الخاسر الأكبر من جائحة كورونا , حيث أوقفت الحكومة اغلب النشاطات الخاصة بهم مؤقتا في بداية تفشي الفيروس دون أن تقدم أي إعانات او تعويض لأصحاب الإعمال او العاملين او تقديم أي خطط بديلة لمساعدتهم على تجنب الإفلاس , مما أدى إلي تسريح إعداد كبيرة منهم ودون أن يكون لهم ضمان اجتماعي للحصول علي الحد الأدنى من احتياجاتهم , وهذا بطبيعة الحال يتنافى مع الأهداف الاقتصادية التي تتعلق بتنوع مصادر الدخل وتحفيز القطاع الخاص للقيام بذلك, بل ان هذه الإجراءات تؤدى إلي ميل القوى العاملة لطلب العمل في القطاع العام .
من ذلك كله يمكن القول بان الحكومة لم تقم بدورها المنشود في التصدي لهذه الجائحة التي تسببت في الكثير من المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المشاكل التي تحيط بالمجتمع الليبي ومنها انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر على جميع المدن , ونقص البنزين , ونقص السيولة النقدية في المصارف , وارتفاع المستوى العام للأسعار, والبطالة ومن المتوقع أيضا ان يزداد الوضع سوءً خاصة مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا اذا استمر عجز الحكومات شرقا و غرباً عن توفير الحد الأدنى من العناية , و عدم وضع خطط لمواجهة الموجة الثانية من الفيروس كفرض اغلاق عام او جزئي او توفير إجراءات حماية مشددة بالتوازي مع إيجاد خطط بديلة لتعويض الاضرار الناجمة عن أي اغلاق .
إجمالاً وكما يتضح هناك قضايا كثيرة تواجه إدارة الاقتصاد الليبي بوضعه الحالي خاصة في القطاع العام , وعليه لابد من إعادة هيكلته بما في ذلك توحيد مؤسساته السيادية وإعادة اختيار الإدارة الجيدة التي يمكن أن تخلصه من الفساد وإدارة موارده بأفضل الطرق والوسائل المتعارف عليها و التي تمكنه من مواجهة أزمات كأزمة تفشي فايروس كورونا وغيرها .
###
ا.د. عطية المهدي الفيتوري أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي
Share your ideas with our team!
info.mena@fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/