08.11.2024

تقليص الفرقات : القانون التونسي الجديد لدعم استحقاقات االأمومة والأبوة أي دور للقطاع الخاص؟

تتمتع تونس بواحد من أقدم أنظمة الحماية الاجتماعية في العالم العربي. ففي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، تبنت البلاد واحدة من أكثر السياسات تقدمية في المنطقة من حيث المساواة بين الجنسين وحرية النساء.

تتمتع تونس بواحد من أقدم أنظمة الحماية الاجتماعية في العالم العربي. ففي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، تبنت البلاد واحدة من أكثر السياسات تقدمية في المنطقة من حيث المساواة بين الجنسين وحرية النساء. ومع ذلك، فقد تعرضت تونس منذ فترة طويلة لانتقادات بسبب سياستها المحدودة فيما يتعلق بإجازة الأمومة، لا سيما بالنسبة للنساء العاملات في القطاع الخاص، حيث كانت مدة الإجازة والتعويض المالي من بين أدنى المعدلات في كل من المنطقة العربية وقارة أفريقيا. في السابق، كان يحق للأمهات في القطاع الخاص الحصول على إجازة أمومة لمدة أربعة أسابيع فقط[1].وكانت هذه الفترة القصيرة أقل بكثير من المعيار الأدنى الذي حددته منظمة العمل الدولية في اتفاقية حماية الأمومة لعام 2000 (عدد [2]183) التي تنص على إجازة أمومة مدتها 14 أسبوعًا على الأقل مقابل ثلثي الأجر. كما فشل التشريع التونسي السابق في الاعتراف بدور الآباء أثناء الولادة، حيث كان الآباء في القطاع الخاص يقضون إجازة ليوم واحد عند ولادة مولود جديد مقابل يومين للآباء في القطاع العام. لطالما كان هذا التفاوت في تنظيم الإجازات مسألة اشكالية، مما ساهم في انعدام المساواة بين الجنسين وحد من المشاركة الفعالة للنساء في سوق العمل.

اعتماد قانون الإجازة الوالدية لعام 2024 في تونس

في 12 أوت 2024، أقر البرلمان التونسي القانون عدد 44[3]  الذي أدخل تحديثات مهمة على إجازة الأمومة والأبوة في كل من القطاعين العام والخاص. يعد هذا الإصلاح خطوة حاسمة نحو إنشاء حقوق إجازة متساوية وشاملة للموظفين، ومعالجة إجازة الأمومة والأبوة مع التركيز على العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين ودعم الأسرة. إن الهدف الرئيسي هو ضمان استفادة جميع العمال، سواء في القطاع العام أو الخاص، من أحكام الإجازة العادلة، مع حماية الأمن الوظيفي وتعزيز رفاه الأسرة. يعكس القانون اتجاه تونس إلى تطوير هامش الإصلاح الاجتماعي، مع التركيز على تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية، ومواءمة السياسات الوطنية مع المعايير الدولية ودعم ديناميكيات الأسرة.

الأحكام الرئيسية والاختلافات القطاعية

إجازة الأمومة: بموجب القانون الجديد، يحق للأمهات في كل من القطاعين الخاص والعام الحصول على إجازة أمومة تغطي فترات ما قبل الولادة وما بعدها. ويشمل ذلك مدة أقصاها 15 يومًا قبل الولادة وثلاثة أشهر بعدها، مع إمكانية تمديدها إلى أربعة أشهر في حالة الولادات المتعددة أو الأطفال ذوي الإعاقة أو غيرها من الظروف الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، يمنح القانون الأمهات الحق في فترات راحة للرضاعة الطبيعية لمدة تصل إلى عام واحد بعد العودة إلى العمل لضمان التوازن بين مسؤوليات العمل ورعاية الأطفال. على الرغم من تساوي مدة الإجازة في كلا القطاعين، على عكس النظام القديم، لا تزال أوجه عدم المساواة في الأجور قائمة. في حين يحق للأمهات العاملات في القطاع العام الحصول على راتب كامل خلال هذه الفترة، فإن الأمهات العاملات في القطاع الخاص يحصلن على تعويض تحدده لوائح الضمان الاجتماعي بدلاً من راتبهن الكامل. يبلغ التعويض ثلثي متوسط الأجر اليومي[4]، بحد أقصى ضعف الحد الأدنى للأجور، مع عدم وجود مساهمة من طرف صاحب العمل. يسلط هذا التفاوت الضوء على التفاوتات المالية المستمرة بين القطاعين العام والخاص، والتي لا تزال قضية مفصلية في نظام الحماية الاجتماعية في تونس. إن منحة الأمومة في القطاع الخاص ضئيلة، مما يجعل العديد من النساء في وضع هشّ ماليًا في الأوقات الحرجة. يهدف الإصلاح إلى تحسين هذا الوضع، لكن لا تزال المنحة أقل من التغطية الشاملة للأجور المقدمة لموظفي القطاع العام بالإضافة إلى شرط التقدم الإداري بطلب للحصول على المنحة في غضون شهر واحد من الولادة الذي من شأنه أن يثقل كاهلهن ويمكن أن يكون مرهقا للأمهات خلال تنقلهن في فترة ما بعد الولادة.

إجازة الأبوة: من أبرز التحسينات بموجب القانون الجديد تمديد إجازة الأبوة، حيث يحق للآباء في كل من القطاعين العام والخاص الآن الحصول على إجازة لمدة سبعة أيام، والتي يمكن تمديدها إلى 10 أيام في حالة تعدد المواليد أو ولادة أطفال من ذوي الإعاقة أو الحالات الخاصة الأخرى. في حين أن ذلك يمثل تحسنًا كبيرًا مقارنة بالاستحقاق السابق بيوم أو يومين، إلا أن الاختلافات في الأجور لا تزال قائمة. يحصل الآباء في القطاع العام على راتبهم الكامل خلال هذه الإجازة، بينما يحصل الآباء في القطاع الخاص على بدل أقل سخاءً. يتماشى تمديد إجازة الأبوة مع الاتجاهات العالمية نحو سياسات أسرية أكثر شمولاً، مع الاعتراف بأهمية مشاركة الآباء في رعاية الأطفال المبكرة.

يمثل القانون عدد 44 لعام 2024 جزء من جهود تونس من أجل إصلاح نظام الحماية الاجتماعية. ويمثل إدراج الإجازة الوالدية العادلة في هذا الإطار القانوني تحولاً نحو معالجة أوجه عدم المساواة القائمة منذ فترة طويلة وتحسين الرعاية الاجتماعية. من خلال مواءمة تشريعاتها بشكل أوثق مع المعايير الدولية، تعمل تونس على تحديث آليات الحماية الاجتماعية لضمان قدرة كل من الرجال والنساء على الموازنة بين مسؤوليات العمل والأسرة دون تعريض أمنهم المالي أو آفاقهم المهنية للخطر. ومع ذلك، فإن التنفيذ الناجح لهذه الإصلاحات سيعتمد بشكل كبير على الإنفاذ الفعال، لا سيما في القطاع الخاص، حيث كانت هناك مقاومة فعلية لتطوير تشريعات الإجازات بسبب العبء المالي المتوقع تبعا لذلك.

الحماية الوظيفية وعدم التمييز

يتمثل أحد العناصر الرئيسية للقانون رقم 44 في ضمان الحماية الوظيفية أثناء إجازة الأمومة والأبوة والرضاعة الطبيعية. يحظر القانون صراحة طرد العمال أو معاقبتهم بسبب الحمل أو الولادة. يُضمن للموظفين في كل من القطاعين العام والخاص مواصلة التمتع بحقوقهم في الترقية الوظيفية والتدرج في السلم الوظيفي والتقاعد خلال فترات الإجازة هذه. تعتبر هذه الحماية حاسمة في تعزيز بيئة لا يضطر فيها العمال، وخاصة النساء، إلى الاختيار بين الترقية الوظيفية وإنشاء أسرة أو الاعتناء بها.

تمويل برامج الاستحقاقات الوالدية القائمة على المساهمات

تعد برامج الإجازة الوالدية القائمة على المساهمة ضرورية لتطوير المساواة بين الجنسين والعدالة الاقتصادية. في بلدان مثل السويد وأيسلندا، يتم تمويل إجازة الوالدية من خلال مساهمات صاحب العمل والموظف، مما يضمن تقاسم المسؤولية. في تونس، يجب أن تتجاوز هذه البرامج القطاع العام، كما يجب أن يلعب القطاع الخاص دورًا، ليس فقط كمساهم ولكن كداعم نشط لرفاهية الموظفين، وتجنب المقاربة الاشتقاقية للموارد البشرية. هذا وتوضح التشريعات الذي تم اعتماده مؤخرًا في تونس دورًا محدودًا للقطاع الخاص، كما تفشل هذه القوانين في تسهيل الحوار الاجتماعي البناء، وهو ما من شأنه أن يلحق ضررا في نهاية المطاف بالمرأة والأسرة في القطاع الخاص. تهدف الحكومة إلى تعزيز ربحية أصحاب العمل، بدلاً من دعم رفاهية موظفيها.

الخاتمة

يمثل القانون عدد 44 لعام 2024 خطوة مهمة إلى الأمام في سعي تونس لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين من خلال معالجة التفاوتات في مسألة الإجازة الوالدية بين القطاعين العام والخاص. ومع ذلك، وفي حين يسعى القانون إلى مواءمة استحقاقات الإجازات، لا تزال هناك تحديات رئيسية في سد الفجوات المالية التي لا تزال قائمة بين هذه القطاعات. تشير الاختلافات في أجر الإجازة إلى الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات لتحقيق أهداف القانون بالكامل من خلال الحوار الاجتماعي مع القطاع الخاص. علاوة على ذلك، تسلط مخاوف القطاع الخاص بشأن العبء المالي للامتثال الضوء على الحاجة إلى تدابير داعمة مثل الإعانات الحكومية أو الحوافز الضريبية. وبدون ذلك، قد تظل المساواة المقصودة بعيدة المنال، مما يديم أوجه عدم المساواة التي يسعى القانون إلى معالجتها. في حين يُعتبر الاعتراف بدور الأب في رعاية الأطفال تطورا إيجابيا، فإن إقرار إجازة الأبوة لمدة سبعة أيام فقط يبقى غير كافٍ ويضع غالبية مسؤوليات الرعاية على عاتق النساء، وهو ما يؤبد الأدوار التقليدية للجنسين ويقوض هدف المسؤولية الأبوية المشتركة. إن القانون رقم 44 هو جزء أساسي من إصلاحات الحماية الاجتماعية أوسع في تونس تهدف إلى تعزيز مجتمع أكثر شمولاً وإنصافاً. ومع ذلك، فإن استمرار عمليات المتابعة والتنفيذ والتعديل أمر بالغ الأهمية، لا سيما لمعالجة الاختلالات المالية التي يمكن أن تعوق التنفيذ المُنصف. سيكون نجاح هذا القانون اختبارًا حاسمًا لالتزام تونس بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين ورفاهية الأسر في السنوات القادمة.

 

[1]https://www.ilo.org/sites/default/files/wcmsp5/groups/public/@dgreports/@dcomm/@publ/documents/publication/wcms_242615.pdf

[2]https://normlex.ilo.org/dyn/normlex/en/f?p=NORMLEXPUB%3A12100%3A0%3A%3ANO%3A%3AP12100_ILO_CODE%3AC183

[3]http://www.iort.gov.tn/WD120AWP/WD120Awp.exe/CTX_3344-4-UeRnnnrhKR/RechercheTexte/SYNC_-778993870

Would you like to contribute to this blog?

Share your ideas with our team!

info.mena@fes.de