07.11.2025

الهجرة و دورها المؤثر في العلاقات الليبية الايطالية

تُسلّط هذه الدراسة الضوء على الدور المحوري للهجرة في تشكيل العلاقات الليبية-الإيطالية منذ نهاية الثمانينيات، حين تحوّلت من ملف إنساني إلى أداة دبلوماسية واستراتيجية. تستعرض الكاتبة فاطمة الزهراء قطيش كيف استثمر الطرفان هذا الملف لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية متبادلة، وكيف أصبحت ليبيا شريكاً أساسياً لإيطاليا والاتحاد الأوروبي في إدارة الهجرة عبر المتوسط. كما تناقش تطور هذه العلاقة بعد سقوط القذافي وصولاً إلى المرحلة الراهنة، حيث تبقى الهجرة في قلب السياسات الخارجية الإيطالية تجاه ليبيا.

منذ تبني القذافي لسياسة الانفتاح على الغرب نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي, عملت إيطاليا على تعزيز التواصل مع ليبيا ولعب دور الوسيط بينها وبين المجتمع الغربي التي كان يفرض في تلك الفترة العقوبات على القذافي ونظامه واعتبار ليبيا دولة داعمة للإرهاب. الانفتاح الذي تبناه القذافي كان من ابرز دوافعه حالة التخلي عن مشروع الوحدة العربية الذيهيمن بشكل كبير على العديد من الأنظمة القومية خلال السبعينيات التي اتسمت بفكرة تبني رؤية سياسية عربية موحدة ضد الهيمنة الغربية الإمبريالية، حيث تخلى القذافي عن هذا المشروع بسبب التقلبات التي شهدتها العلاقات الليبية بالدول العربية نتيجة انهيار مشروع الوحدة مع مصر وسوريا، ثم وحدة قصيرة مع تونس، إضافةً إلى دخول ليبيا في مرحلة من العزلة الدولية بسبب العقوبات المفروضة عليها خلال الثمانينيات والتسعينيات والتفاته نحو افريقيا للبدء في الترويج لمشروع جديد يكون هو قائده وملك ملوكه وهو مشروع افريقيا القارة الموحدة، والتي كانت تعاني حينها من اوضاع اقتصادية متعثرة نتيجة لفقدانها الكثير من الدعم الاقتصادي الذي كان يقدم للعديد من دول القارة من قبل القِوَى المتصارعة خلال الحرب الباردة سعيا لاستمالتها، ولكن انتهاء الحرب وتوقف الدعم الاقتصادي المقدم لإفريقيا خلق فرصة للقذافي لسد هذا الفراغ وابراز نظامه على انه الداعم البديل و صاحب الرؤية التي ستجلب القوة للقارة السوداء التي وجدت في ليبيا مصدرًا بديلًا لهذا الدعم، في المقابل استغل القذافي هذه الفرصة لكسر عزلة نظامه وإعادة تموضع القيادة الليبية وبالفعل، مع أواخر التسعينيات وبالتزامن مع إطلاق سياسة القذافي الإفريقية، فتحت ليبيا سوق العمل أمام الأفارقة من دول جنوب الصحراء، واستقبلتهم دون الحاجة إلى تأشيرات أو متطلبات دخول معقدة، وقد عمل هؤلاء العمال المهاجرون غالبًا في القطاعات غير الرسمية والوظائف منخفضة المهارة .

محاولة احتواء عبر تعزيز التواصل 

شجعت ايطاليا ليبيا على التقدم نحو تبني نهج شامل للانفتاح على العالم الغربي وخاصة على اوروبا واعادة التقارب من خلال الترويج لسياسة اعلن من خلالها القذافي عن مجموعة من الاجراءات التي من شأنها اقناع الغرب برفع العقوبات عن ليبيا ومساعدته في الترويج لفكرة تبنيه سياسات ليبرالية ستجعل ليبيا الجماهيرية دولة تُحترم فيها الحريات السياسية والمدنية الي جانب مبادئ كحرية التعبير وحقوق الانسان. فأعلن في 1988 عن ما كان يعرف بالوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الانسان، ثم أعلن عن نيته فتح ليبيا سياسيًا واقتصاديًا، مستلهمًا ذلك من "الانفتاح العربي" الذي شهدته مصر وتونس والجزائرفي تلك الفترة ، حيث اتسم هذا الانفتاح بالليبرالية الاقتصادية ومنح القطاع الخاص دورًا أكبر. ومن خلال العديد من الخطب، أعلن القذافي عن هذه السياسات، التي كانت تحدث لأول مرة منذ توليه السلطة، مع حرصه الدائم على التأكيد أن هذا الانفتاح يتم في إطار الخطاب الثوري والخصوصية التي تتمتع بها الجماهيرية، ولكن في واقع الحال لم يُقدم نظامه إصلاحات كافية تُحدث تغييرات حقيقية في البيئة السياسية والاقتصادية وتجعلها أكثر تنوعًا، بل استمر في استخدام نفس الأسلوب الذي اعتمده دائمًا، وهو إدخال تغييراتبسيطة تضمن له البقاء واستمرارية الوضع الذي أراده لليبيا.

و مع ذلك سعت ايطاليا لأن تكون الداعم الاول لسياسة القذافي الانفتاحية فحتى خلال فترة عزلته الناتجة عن العقوبات التي فرضتها واشنطن على ليبيا، انتهجت ايطاليا سياسة دبلوماسية لتجنّب جعل القذافي يشعر بالإحباط والعزلة، وذلك بهدف احتوائه وتأطير نظامه، وعلى الرغم من الارتباك الذي اتسم به هذا النهج ، بسبب عدم قدرة ايطاليا على مخالفة قرار واشنطن بعزل ليبيا و عدم التعامل مع نظام القذافي، الا ان نجاحها في اتباع دبلوماسية المحافظة على التواصل مع ليبيا جعل من إيطاليا واحدة من أوائل الدول التي فكّر فيها القذافي عند إعلانه لاحقًا انتهاج سياسة الانفتاح على الغرب، ولا ننسى انه تربط ليبيا وإيطاليا مصالح اقتصادية قوية منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي بدأت فيها شركة "إيني" الإيطالية للطاقة العمل رسميًا في ليبيا، وتولّت إلى حد كبير قطاع الصناعات البتروكيميائية، وهي نفس المصالح التي حافظت على ارتباط البلدين خلال فترة العقوباتالمفروضة عليها، والتي جعلت الجانب الإيطالي لا يقبل إلا بلعب دور أساسي ومحوري في سياسة الانفتاح الليبي، ولعب دور الوسيط بين ليبيا المعزولة والغرب، ليس فقط لإعادة بناء علاقة المصالح وتحقيق المزيد من المكاسب، بل أيضًا للحفاظ على أمنها من خلال المساهمة في السيطرة على منطقة البحر الأبيض المتوسط، وإضعاف صعود النفوذ السوفييتي خلال تلك الفترة.

الهجرة في قلب التقارب الليبي الايطالي

اساس التقارب الذي قادته ايطاليا بين ليبيا والغرب كان عبارة عن محاولة لخلق دولة شريكة قابلة وقادرة على تنفيذ رؤية ايطاليا في مكافحة ظاهرة الهجرة، الظاهرة التي برزت بشكل واضح بعد ما شهدته اوروبا من تحولات جيوسياسية وامنية خلال فترة التسعينات التي عزز فيها الا تحاد الاوروبي اجراءات التنقل و قدوم العمال الاجانب، و ذلك بتشديد الرقابة على الحدود الأوروبية مع دخول اتفاقية شنغن حيز التنفيذ تحديد في العام 1995 . وفي ذلك العام اعلن الاتحاد الاوروبي عبر اعلان برشلونة في نوفمبر 1995 , عن تبنيه ما يعرف بنهج الشراكة الأورومتوسطية, والتي اطلق بموجبها حوار بين الدول الخمسة عشر الاعضاء في الاتحاد في ذلك الوقت ودول شريكة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، النهج الذي يهدف الي بناء سياسة استراتيجة شاملة في مكافحة الهجرة عكست اضفاء بُعداً سياسيا وامنيا خارجيا على سياسات الاتحاد الأوروبي، حيث قام الاتحاد بربط سياساته الداخليةوالخارجية المتعلقة بالهجرة معا.ً

ايطاليا في تلك الفترة كانت تركز على تبني مقاربة داخلية في التعامل مع المهاجرين الموجودين على اراضيها، فمنذ اوائل التسعينيات، بدأت الحكومة الإيطالية في التعامل الجاد مع قضية الهجرة، بعد ان كانت قبل ذلك تتعامل معها بسياسات اتسمت بعدم الاتساق والتناقض، وذلك م ن خلال تطوير تشريعات جديدة نتيجة للزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين القادمين من أفريقياوآسيا، إلى جانب التحولات الجيوسياسية التي شهدتها أوروبا الشرقية والبلقان خلال تلك الفترة. لكن اطلاق الاتحاد الاوروبي لنهج الشراكة الاورومتوسطية وتبني استراتيجة العمل مع دولة ثالثة من خارج الاتحاد، شجع ايطاليا على توسيع سياساتها في مكافحة الهجرة لتشمل بعداً خارجيا يقوم على مجموعة من الخطوات ابرزها اقامة شراكات مع دول ثالثة جنوب المتوسط، الامر الذي تزامن مع ابرز القذافي نيته الانفتاح والتقارب على الغرب, وهو ما وجدت فيه ايطاليا فرصة لكسب واقناع ليبيا بأن تكون شريكة لها في ادارة خارجية للهجرة وهوما يعرف في العلاقات الدولية بمفهوم تدويل حوكمة الهجرة . تزامن هذا التركيز على السياسات الخارجية في ايطاليا مع وصول اليمين الي السلطة، والذي بدأ في اعتماد سياسات داخلية اكثر شدة وصرامة في التعامل مع المهاجرين المتواجدين على الاراضي الايطالية، خاصة مع تشريع قانون بوسي فيني FINI-BOSSI في 2002 الذي عمل على تقييد مدد عقود العمل وخفض فترة الإقامة للمهاجرين الي جانب اجبارهم على تقديم بصماتهم ووضعهم تحت المراقبة، وقد عكست هذه السياسات توجّهًا داخليًا أكثر تشددًا تجاه الهجرة غير النظامية في إيطاليا .

وبالاضافة الي ذلك عمل اليمين من خلال الحكومة التي انشأها بقيادة برلسكوني في 2001 ، على انتهاج سياسات امنية خارجية متشددة في مكافحة الهجرة، و ذلك من خلال السعي المستمر لحث ليبيا على لعب دور الدولة الشريكة والمهمة في استراتيجيتها لمكافحة الهجرة، وهي الاستراتيجية التي وجدها القذافي من جهته فرصة لإستخدام الهجرة كأداة دبلوماسية للتعاون والاكراه، فمزيد من التعاون يعني مزيداً من المكاسب على مستوى التقارب مع الغرب ودعمه السياسي له، و العزوف عن التعاون اوالتجواب يعني تهديد القذافي بأن يجعل ليبيا بوابة مفتوحة لعبور المهاجرين خاصة من افريقيا جنوب الصحراء نحو اوروبا، المهاجرون الذين فتحت لهم ليبيا ابوابها للقدوم اليها بدون قيد او شرط، والذين وجدو انفسهم بعد ذلك في موقف تفرض عليهم القيود والقوانين التي شرعها نظام القذافي في استجابة لتفاهماته مع القوى الغربية وعلى رأسها ايطاليا، فبعد توقيع الطرفين اول اتفاقات التعاونلمكافحة الهجرة في عام 2000 , انشأت ليبيا اول مخيم للمهاجرين قرب طرابلس في 2003 وقامت بتشريع القانون رقم ) 2( لسنة 2004 ، الذي ربط لأول مرة بين الوجود غير القانوني للأجانب والهجرة، وهو ما ورد أيضًا في القانون رقم ) 19 ( لسنة 2010 ، الذي حمل عنوان "قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية". تشريع هذه القوانين بعد بداية مرحلة التعاون والشراكة خاصة بعد توقيع معاهدة بنغازي للصداقة والتعاون في 2008 والتي اعتبرت نقطة تحول في علاقة ليبيا بإيطاليا، دليل على ان ليبيا عملت على تبني سياسات داخلية حول الهجرة تخدم بشكل صريح اهداف اتفاقيات الشراكة التي وقعتها مع ايطاليا، ونتيجة لذلك، حوّلت سياسة القذافي للهجرة آلاف المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء، والذين كانت أوضاعهم متوافقة مع النظام والعادات السائدة آنذاك،حولتهم إلى مهاجرين غير نظاميين.

سياسات ايطاليا في ليبيا مابعد القذافي

واصلت السلطات المتعاقبة في ليبيا بعد 2011 استخدام سياسات القذافي بشكل انتقائي لدعم مواقفها السياسية والاقتصادية، مما ادي الي فقدان وجود اطار قانوني واضح وموحد للتعامل مع الهجرة داخليا،ً ومع التركيز على اتخاذ القرارات وتنفيذها بما يتماشى مع استراتيجية الدول الأوروبية في مكافحة الهجرة غير النظامية وعلى رأسها إيطاليا التي حرصت على التقرب من السلطات الليبية الجديدة، حتى انها كانت من اوائل الدول الاوروبية التي اعادة فتح سفارتها في طرابلس في يناير 2017 في مبادرة منها لبيان دعمها لحكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس الوزراء السابق فايز السراج والتي اعترفت بها الامم المتحدة كسلطة رسمية ممثلة لليبيا رغم الانقسام على ذلك في الداخل الليبي. هذا التقارب كلل بتوقيع البلدين على مذكرة التفاهم في فبراير من العام 2017 ، المذكرة التي حازت على شبه اجماع داخل الطيف السياسي الايطالي، فالكثير من الاحزاب السياسية دعمت توقيع المذكرة، و دافعت عن اعادة تجديدها واعتبر بعض أعضاء حزب "فورزا إيطاليا" المذكرة إنجازًا حكوميًا مهمًا، في حين انتقدآخرون تعامل الاتحاد الأوروبي مع إيطاليا واقترحوا استخدام الأموال الممنوحة لتركيا في ملف الهجرة لدعم الجهود المشتركة مع ليبيا. ورغم الانتقادات التي شنتها الكثير من المنظمات الحقوقية علي المذكرة، والتي كانت تأكد دائما ان ليبيا ليست دولة مخولة بالتعامل مع قضية الهجرة بموثوقية وانسانية نتيجة للانقسام السياسي وهشاشة الوضع الامني فيها ,الا ان التعاون بين البلدين استمر بنفس الاطار الذي جاءت به المذكرة التي اعيد تجديدها تلقائيا بحسب الاتفاق. والحقيقية ان السلطة في ليبيا ومن خلال توقيعها على مذكرة التفاهم والسعي لتعزيز اطر الشراكة والتعاون مع ايطاليا حققت بعض المكاسب الدبلوماسية التي عززت من شرعيتها الدولية وسط غيابها داخليا , كما أنها لم تواجه اعتراضات داخلية كبيرة من الشارع الليبي، نظرًا لنهجها السلطوي، وسيطرتها على الإعلام، الي جانب انشغال المواطن الليبي بقضايا أكثر إلحاحًا مثل توفير احتياجاته الأساسية وتحسين وضعه المعيشي .

حتى بعد تغير الحكومات، استمر البلدين على نفس النهج فمع وصول حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة الي السلطة ,الذي تزامن معه تولي رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني السلطة في الجارة الشمالية، جددت ليبيا وايطاليا رغبتهما في استمرار الشراكة والتعاون لمكافحة الهجرة، فاميلوني التي ابرزت في سنتها الاولى نشاطا مكثف في بناء سياسة الهجرة ومشاركتها الكبيرة في الشؤون الدولية المتعلقة بهذه الظاهرة، كانت قد زارت ليبيا اكثر من مرة والتقت بقادة السلطة المنقسمة هناك، الذين استقبلتهم بدورها في روما، فقد شهدت زيارتها الاولى الي طرابلس تحديداً في يناير 2023 توقيع اتفاقيات تعاون جديدة بين البلدين، شملت التأكيد على السياسات الاقتصادية المشتركة ، من خلال توقيع صفقة غاز بقيمة 8 مليارات دولار بين شركة الطاقة الإيطالية إيني والمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا لكنها امتدت أيضًا لتشمل اتفاقًا حول إدارة ملف الهجرة، قبل ان تعود مجددا في مايو 2024 للقاء السلطات في طرابلس وبنغازي كلاً على حده، مع التوقيع على المزيد من اتفاقيات التعاون في مجالات مختلفة ابرزها الهجرة, القضية التي لا يختلف اثنين على اهميتها وموقعها في مركز سياسات ميلوني الخارجية تجاه ليبيا، وذلك في إطارالخطة الاستراتيجية " إيطاليا-أفريقيا" التي أطلقتها ميلوني، والتي كانت جزءًا رئيسيًا من برنامج الحكومة منذ البداية وتعرف على نطاق واسع باسم “خطة ماتّي” Mattei Plan نسبة إلى إنريكو ماتّي، مؤسس شركة الطاقة الإيطالية "إيني"، وهي الخطة التي تدعو- بحسب برنامج ميلوني- إلى نهج جديد تجاه أفريقيا، خاصة فيما يتعلق بالهجرة.

لا احد فعليا يعرف تفاصيل هذه الخطة ولا كيفية تنفيذ مراحلها ولكن بلا شك فأن ميلوني مستمرة في تركيز جهودها الخارجية لمزيد من التفاهمات مع ليبيا الهشة والمنقسمة والتي وبرغم مرور كل تلك السنوات من هذا التقارب وتأسيس الشراكات ووضع السياسات المشتركة مع ايطاليا، فأنها لم تستطع حتى الان وضع اساس متين وواضح لحوكمة الهجرة، او بناء اطار قانوني ملتزم يتماشى مع التغيرات الكبيرة التي طرأت على ملف الهجرة داخليا وخارجيا،ً فبحسب تقارير منظمة الهجرة الدولية وصل عدد المهاجرين في ليبيا الي اكثر من 850 الف مهاجر من جنسيات مختلفة، كما ان البنية التشريعة المتعلقة بالهجرة – في حال استخدمت- تعود الي عهد القذافي دون اي تحديث يذكر. و بالعودة الي سياسات ميلوني فأن استمرارها في اتباع المقاربة التي تنص على ان مزيدً من المصالح الاقتصادية المشتركة يعني مزيد من جهود مكافحة الهجرة، و الذي يمكن ان نراه من خلال الزيارات المتكررة لها والتي اشرنا اليها سابقا الي جانب التقارب السياسي والاقتصادي الذي قادته وفود رسمية من البلدين، تمثل في توقيع الحكومة الايطالية مع صندوق التنمية واعادة الإعمار ومقره شرق ليبيا على العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات الطاقة والصناعة و النقل مع 98 شركة ايطالية، في خطوة لتعزيز التقارب بين ايطاليا والاطراف المنقسمة في ليبيا، دون اي محاولة من قبل ايطاليا لحلحلت الازمة السياسة في ليبيا والتي تسيطر على الوضع منذ العام 2014 ، متناسية حقيقة انه اذا ارادت الحكومة في ايطاليا شريكً قويا وموثوق للتعاون في مجال الهجرة فأنه من الاولى ان تساهم بشكل فعال في جهود توحيد السلطة في ليبيا والعمل على حث الاطراف المنقسمة للعودة الي المسار السياسي الصحيح، وهي نفس الانتقادات التي جاءت على لسان وزير الخارجية الايطالي نفسه انتونيو تيجاني في احدى مقابلاته مع وكالة نوفا الايطالية الذي اعتبر ان هشاشة الوضع الامني والانقسام السياسي المتمكن من ليبيا هومشكلة يجب المساهمة في حلها اذا ارادت اوروبا ومن قبلها ايطاليا منع تزايد اعداد المهاجرين الواصلين الي شواطئها، وهو نفس الامر التي اشارت اليه من قبله المبعوثة السابقة للامين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز في مقبلة لها مع نفس الوكالة الايطالية حيث قالت ستيفاني ان على ايطاليا النظر الي الوضع في ليبيا بشكل اعمق واشمل واكثر شجاعة وان لا تركز في منظورها نحو ليبيا على قضية الهجرة وحسب .

تصريحات وليامز تزامت وقتها مع قرب اطلاق مرحلة جديدة من حوار برلين بعد توقف دام اربع سنوات، المرحلة التي يبدو أنها لم تأتي بأي جديد بخصوص الازمة في ليبيا والتي من المرجح انها ستظل محشورة في هذا المختنق السياسي فترة اخرى من الزمن قد تكون مليئة بمزيد من الانقسامات والصراعات المسلحة خاصة في العاصمة طرابلس التي لم تشهد استقرار امنيا في السنوات الاخيرة نتيجة لضعف الحكومة القابعة هناك بقيادة عبد الحميد الدبيبة، مالم تتبنى ايطاليا مساراً شاملا نحو مساعدة ليبيا على الاستقرار وتثبيت دعائم الدولة بعيدا عن الاستقطابات الاقليمية والتدخلات الخارجية وربما تكون هي صاحبة المبادرة في تحقيق التوازن لليبيا، ففي النهاية العلاقات المتجذرة والمصالح الاقتصادية الضخمة الي جانب الجهود والمبادرات التي جمعت الطرفين ما بعد 2011 حول الهجرة ,يخول ايطاليا ربما في قيادة مرحلة جلب الاستقرار لجارتها الجنوبية بعيداً عن سياساتها الانانية التي لا ترى في مصالحها المشتركة مع ليبيا الا الهجرة ولا شيئ غير الهجرة .

الهجرة تجمع ايطاليا بتركيا

استمراراً لنشاط ايطاليا تجاه القضاء على الهجرة نحو شواطئها، عقدت جورجيا ميلوني مع رئيس الوزراء الليبي برعاية الرئيس التركي اردوغان اجتماعا في اسطنبول اغسطس الماضي , والذي بدا و كأن الهجرة هي الدافع الاساسي وراءهُ، ورغم ما صرحت بيه الاطراف المشاركة حول التزامهم بدعم العملية السياسية في ليبيا وتحقيق الاستقرار والوحدة من خلال الدفع بالجهودالتي تقودها الامم المتحدة، الا ان الرغبة من قبل ايطاليا في اشراك تركيا في جهود مناهضة الهجرة كان جليا،ً فقد اشادت رئيسة الوزراء الايطالية بالنتائج التي تحققت من خلال التعاون مع تركيا في مجال الهجرة لاسميا بعد موجة الهجرة عام 2015 والتي جاء على اثرها توقيع اتفاقية تعاون مع تركيا في 2016 لمكافحة هذه الظاهرة، النتائج الي اعتبرتها ميلوني ممتازة ودعت من خلالها للاستفادة من هذه التجربة في العمل مع انقرة لدعم الحكومة الليبية وتكثيف جهودها بشأن الهجرة .

وتجدر الاشارة الي ان تركيا، كانت قد بدأت بالفعل بنوع من التقارب مع شرق ليبيا على غرار تقاربها الذي مع غرب البلاد لسنوات ، ويبدو ان انخراطها في ملف الهجرة في ليبيا بدعم ايطالي يعد فرصة لها لتعزيز نفوذها ومكانتها التي تنظر لها بعين المصلحة خاصة في ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، الي جانب المصالح الاقتصادية والمنافسة على ملف إعادة الاعماروالمشاريع التنموية في ليبيا، ومن جهة اخرى يبدو وكأن ايطاليا ايضا تملك فرصة في ان تكون داعمة بشكل اكبر للعملية السياسية في ليبيا من خلال وجود شريك استراتيجي كأنقرة يساعدها في ذلك الي جانب كسبها لرهان القضاء على الهجرة دون الانخراط المباشر في عمليات مكافحة واعتراض المهاجرين دون تعرضها مجدداً لاتهامات بدعمها المباشر للعمليات خفر السواحل الليبي في اعتراض قوارب المهاجرين واعادتهم الي ليبيا في ظروف سيئة، الامر الذي قد يبدو وكأنه لعبة كل من فيها فائز ولكننا وحتى اليوم لا نعلم ماهو دور ليبيا في هذه الشراكة وماهية المصالح الوطنية التي ستحققها الاطراف في ليبيا من خلال مثل هكذا تعاون، فحتى الان لم تتضح بعد ملامح العمل المشترك الذي ستقوده ايطاليا وتركيا لمساعدة ليبيا في مكافحة الهجرة وماهو الدورالذيستلعبه ليبيا المنقسمة اساسا،ً وهل بالفعل سيكون لايطاليا دور فعال في دعم المسار السياسي الليبي ام ان الهجرة ستظل الدافع الاساسي لإيطاليا في علاقتها بليبيا .

Would you like to contribute to this blog?

Share your ideas with our team!

info.mena@fes.de