عند تسليط الضوء على العديد من القضايا التي يعاني منها المجتمع في ليبيا و محاولة تحليل أسبابها و التحديات التي تواجهها الحلول الموصي بها , نجد في الكثير من الأحيان ان تكريس الصور النمطية او التنميط هو احد اكثر الأسباب تأثيرا في وجود هذه القضايا و استمرارها في المجتمع .
التنميط او القولبة هي نتاج طبيعي لما يحاول عقلنا البشري – ربما – للعمل عليه وهو تبسيط الأفكار و تعميمها للحصول على حكم مسبق ثابت يطلق بشكل فوري وسريع كقالب على أي مجموعة او مجتمع او فئة لمجرد اشتراكها في أمور ثابته ,كالنوع او الأصل او الجنس وغيريها ,فالرجل هو القوي الذي لا يبكي و الاب هو المسؤول عن توفير مصدر العيش, و المرأة صاحبة العاطفة و مركز الضعف و اذا كانت ام فهي المسؤولة عن الأبناء و تربيتهم وقضاء الوقت الأكبر معهم , الرجال فاشلون في الأمور المنزلية و النساء لا تجيد القيادة و شعب تلك الدولة غير ودود اما المصابين بذلك المرض فهم مخيفون أو غير قادرين و الشعوب الغربية هي شعوب لا تعرف الحشمة و الي اخره من القوالب الجاهزة التي استسهل الناس استخدامها .
الموضوع يعتمد على عدة عوامل و أسباب تتباين في شدتها , فالكثير من الصور النمطية هي موروث اجتماعي تراكمي ناتج عن العادات و التقاليد و الثقافة التي يتوارثها المجتمع بشكل متكرر من شخص الي اخر, و تؤدي في أحيان كثيرة و بشكل عفوي الي تشكل أنماط ثابته تتعزز شدتها اذا ما ارتبطت بمفاهيم اعتاد عليها المجتمع خاصة اذ كان مصدرها ما يعرف بالمبادئ السامية في ذلك المجتمع و التي تكون نابعة في الغالب من أساس ديني أو عرفي متوارث منذ سنين طويلة و من الخطورة بمكان المساس به .
و قد بات جلياً ان المستوى التعليمي و الثقافي و المستوى المادي و الأصل و الفصل لا يمكن ان تنأى عن ممارسة عادة التنميط و استخدام القوالب الجاهزة للصور النمطية من قبل الافراد المكونين للمجتمعات التي ينتشر فيها التنميط , فمع الأسف كسر هذه الصور يواجه بالكثير من التحديات ,و لأنها تعتمد بشكل أساسي على تغيير فكرة الشخص نفسه , و التي على الأرجح انها قد تكونت على مدى سنوات تُجاه عادة أو فئة او مجموعة او جنس معين , الي جانب غياب العوامل التي كان من الممكن أن تكون مساعدة في العمل على القضاء على صورة نمطية معينة او فكرة التنميط بشكل عام ,كوسائل الاعلام المنتشرة خاصة في مجتمعاتنا, و التي ساهمت بإنتاجها المتنوع في الكثير من الأحيان الي تثبيت الصور النمطية و تعزيز انتشارها بل و انتقالها من جيل الي اخر , فبرامج الاسرة و الموضة و الفن و المرأة في اغلب الأحيان تقدمها مذيعة امرأة على خلاف برامج الرياضة و السيارات و البرامج التي تستدع التنقل او السفر فمقدم البرنامج هو رجل في الغالب , ولا نستثني المواضيع التي تناقش في هكذا وسائل و نوع وطريقة النقاش فيها ,كاستخدام تعبيرات و جمل مُنمطة و مُعززة لأفكار خاطئة بل في احياناً كثيرة تستخدم كمبرر لأفعال تصنف اليوم كجرائم مثل التحرش ( فلو لم تخرج من بيتها لما تعرض لها احد ) في محاولة تأكيد للقالب المشهور ان افضل مكان للمرأة هو بيتها , الي جانب الانتاجات التلفزيونية و السينمائية التي عملت بشكل واضح على تكريس العديد من الصور النمطية في سياقاتها الدرامية بحيث تقوم بتقديمها الي المتلقي على انها الصورة الصحيحة و المفروضة لما يجب ان يكون , فهم البنات للممات , و الرجل لا يعيبه شيئ !
يظن الكثير ان تأثير انتشار ظاهرة التنميط و استفحال عديد الصور النمطية و اعتياد المجتمع عليها هي مسألة مبالغ بها و ربما غير ملموسة , و مع الأسف فالتراكمات الناتجة عن استخدام هذه الظاهرة و تناقلها يمكن ملاحظتها اذا اردنا ,فتأثيراتها مستشرية ولها ابعاد خاطئة من المهم العمل على تصحيحها , و غالباً عندما يُذكر التنميط تذكر المرأة فالمرأة خاصة في مجتمع مثل المجتمع الليبي هي المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة سواء بشكل مباشر مقصود او بشكل غير مباشر , ففي دراسة قام بها مركز جسور للدراسات بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت بعنوان المرأة في سوق العمل الليبي بينت مجموعة من المشاركات في مجموعات التركيز الداعمة للدراسة انه على سبيل المثال من العوامل الاجتماعية التي قد تكون سبب مباشراً في انخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل في ليبيا هي انتشار ظاهرة التنميط واستخدام الصور النمطية السائدة و التي باستعراضها مع المشاركات في الجلسات أكدت أن المجتمع يطلق أحكام مسبقة على المرأة بسبب صورة تقليدية لا تعكس بالضرورة واقعها, و في محاولة حصر الصور النمطية المتكررة تبين ان اغلب المشاركات في مجموعات النقاش على هامش الدراسة المذكورة تعرضن لأحكام مسبقة في العمل بسبب التنميط و تكرار الصور النمطية, و التي كان ابرزها ان "الفتاة العزباء تبحث عن فرص للزواج في أماكن العمل" و "أن المرأة العاملة تعجز عن خلق توازن بين العمل و الوظائف المنزلية " "وأن المرأة عدوة المرأة" الي جانب الصورة النمطية التي تكرس فكرة ان العمل الإداري يناسب طبيعة المرأة أكثر , و غيرها من الصور المتأصلة و التي تحولت و مع الأسف الي ثقافة مزروعة في المجتمع غير مدركين الاثار المترتبة على انتشارها ولعل محدودية مشاركتها في سوق العمل احد هذه الاثار وليس الوحيد فاستمرار ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي مثلاً وصعوبة العمل على الحد منها احد اهم أسبابه هو الصورة النمطية التي بررت وبشكل متكرر تعرض المرأة للتعنيف من قبل الرجل بحجة انها غير مؤهلة و تحتاج دائما الي وصي عليها لا بأس في ان يعنفها اذا ما أخطأت !
انا هنا لا اسلط الضوء على المرأة كضحية وحيدة للتنميط , فتأثير التنميط و تداول الصور النمطية بين شعوب المجتمعات في منطقتنا على الرجال اراه لا يقل سلبية عن تأثيره على المرأة , مع التباين في النتائج المترتبة عنه طبعاً و التي قد تؤدي في أحيان كثيرة الي فقدان المرأة لحقوقها او اجبارها على التنازل عن هدف او شغف تسعى له, لكن ما يعانيه الرجل في مثل مجتمعنا الليبي و الذي لا يختلف عن باقي مجتمعات منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا هو الضغط الممارس عليه بسبب انتشار العديد من الصور النمطية المتعلقة به فالرجل عندنا يجب ان يتمتع بالشهامة و الشجاعة و روح المبادرة وكأنها صفات بيولوجية لا صفات شخصية من الممكن ان تتمتع بها المرأة أيضا , و هذا الضغط الممارس عليه يجعل للرجل قالب و صورة ثابته لا يجب ان تتغير و كأنها تستنسخ مع الوقت فنجد العديد من النماذج لرجال واجهوا هذه الصورة فمنهم من تقبلها وعاش بها متخليا عن أسلوب حياة كان يتمنى عيشه او مستغنياً عن شغف او طموح رغب في تحقيقه و منهم من تحدها و حاول كسرها كالرجال العاملين في مجالات لطالما كرسها التنميط للمرأة , كتصميم الأزياء و الخياطة و الطبخ و العمل في المزينات وغيرها.
ربما سنحتاج للكثير من الوقت لنصل الي المرحلة التي نتخلص فيها من التنميط و نصبح قادرين على التخلي عن العديد من الصور النمطية المتغلغلة في ثقافة مجتمعنا الليبي , و لكن العمل على مجابهتها و التحدث عنها بشكل علني يجب ان لا يتوقف ,كما ان العمل على مستويات أخرى كتبني سياسيات على مستوى وطني تعمل على محاربة هذه الظاهرة في المناهج الدراسية و المدارس كمثال , أو ادراج مخالفات او عقوبات لردع من يستغلها في منع احد من التقدم لوظيفة او الحصول على فرصة عمل كمثال اخر , و العمل على وسائل الاعلام و معها ليس فقط للتخلص من ثقافة الاحكام المسبقة و استخدام محتوى اعلامي او درامي بعيد عن نشر الصور النمطية بل ايضا المساعدة في التخلص من هذه الصور واطلاق حملات لتسليط الضوء عليها التوعية بتأثيراتها السلبية .
###
فاطمة الزهراء قطيش – مديرة برامج في مؤسسة فريدريش ايبرت
Share your ideas with our team!
info.mena@fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/