شهد العام 2020، مرور الذكرى العاشرة على بدء الثورات العربيَّة التي انطلقت شرارتها الأولى من جسد الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه بعد أن تعرَّض للإهانة من قبل السلطات المحلية في مدينة سيدي بوزيد بعد مصادرة عربة الخضار التي كان يعتاش من خلالها، لتبدأ بذلك فصول من الثورات العنيدة في الساحات التونسية، ثم لتمتد إلى مصر وليبيا واليمن، وتقتلع جذور الأنظمة السياسيّة فيها، وتشعل النار في ساحات دول أخرى.
وفي موجة ثانية، أسهمت الاحتجاجات في تغييرات على النظام السياسي في الجزائر، وأطاحت به في السودان، ولا تزال الاحتجاجات مستمرة لغاية الآن في دول عديدة في المنطقة، تحديدًا في لبنان والعراق التي يرفض شبابها في خطاب جديد غير معهود القوى السياسية الحاكمة ورفض التدخلات الأجنبية في البلدين خصوصًا الامتداد الطائفي السياسي الذي يعمل على تقسيم البلدين وتعزيز ميليشيات السلاح التي تؤثر سلبًا في عقود الدولة الاجتماعية ووحدتها الوطنية.
كان جيل الشباب العربيّ قبل الثورة - فيما يتعلق بالشأن السياسيّ العام - متهم بصورة نمطية سلبية، بأنه جيل لا يبالي، ضعيف، فاقد للبوصلة، غير مؤهل لتبني القضايا السياسيَّة الإصلاحيَّة. ثم جاءت الثورات العربيَّة لتغيّر هذه الصورة، التي أجبرت القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة وجموع المثقفين للاعتراف بأنَّ الجيل الشبابي الذي كان يتقدّم جموع المحتجين، ويقود الميادين، ويوجه الرأي العام في منصات التواصل الاجتماعي، هو صوت التغيير والأمل، وهو الجيل الأكثر شجاعة وقوة وتأثير من سابقيه. وبالتالي سارت المكونات الاجتماعية والسياسية خلفه، انصاعت لمنهجه، واتبعته في الميادين طيلة العقد الماضي.
لاتزال صورة الجيل الإيجابية حاضرة في ذهنية المجتمع العربيّ، ولكنها اختلفت في ذهنية القوى السياسيَّة، خصوصًا تلك التي حصدت نتائج الثورات والاحتجاجات، حيث تجد هذه القوى في الشباب خصمًا سياسيًا ينافسها في برامجها. وبناء على ذلك كان من مصلحتها إقصاء الجيل الشاب في اليوم الأول بعد الثورات، وإبعاده عن التواجد في مناطق صناعة القرار السياسي، وإحباط محاولات انتظامه السياسيّ؛ في سبيل منها لتحويل طاقة الجيل إلى قضايا اجتماعية واقتصادية جانبية؛ لتقوم هي بالتفرّد والسيطرة على إدارة دفة الحكم.
يذهب هنتنغتون الذي أثبتت نظريته «أحجار الدومينو» فرضتها في الثورات العربيَّة إلى أهمية التحديث عندما قال: "كلما تطورت المجتمعات كلما أصبحت أكثر تعقيداً، وإذا لم تترادف عملية التحديث الاجتماعي الذي ينتج هذا الاضطراب مع عملية تحديث سياسية ومؤسسية، وهي العملية التي تنتج مؤسسات سياسية قادرة على إدارة التحديث، فإن النتيجة تكون ازدهار العنف"، بالتالي، يفشل الانتقال الديمقراطيّ في المجتمعات التي تعيش حالة من التغيير السياسيّ إذا ما أدركت أهمية التجدد الديمقراطي والتدافع السياسيّ الذي يدمج الأجيال الجديدة في صناعة الديمقراطية وفق مبدأ ما يسمى التزاوج الجيلي.
بالرغم من إقصاء القوى السياسية جيل الشباب التونسي عن التواجد في مناطق صناعة القرار، يجد المراقبون في التجربة التونسية نموذجًا حقق شروط الانتقال الديمقراطي، وهذا ما يرفضه جيل الشباب - خصوصًا من كان منهم فاعلاً في تغيير النظام السياسي - الذي وجه وقام بمعاقبة القوى السياسيّة في تونس عندما قاطع الانتخابات البرلمانيَّة، وشارك في الانتخابات الرئاسية مطلع 2019 وساهم في تصدير رئيس تونسي جديد من خارج قائمة الأسماء المتعارف عليها، ليبدأ بذلك مسار جديد من الرفض العام للقوى التي تشكِّل المشهد السياسي، وبدأنا نشهد تطبيق عملي لنظرية «العدوى» و«المشروطية السياسية والاقتصادية» في الانتقال الديمقراطي، من خلال ما حدث في الجزائر والسودان التي تغير النظام السياسي في كل منها، بعد مشاركة شبابية واسعة وعنيدة كانت قد أصابها الخمول أو الاعتزال مدة تجاوزت 7 سنوات من العقد الأول للثورات العربيَّة.
انتقلت الاحتجاجات بشكل متسارع من شمال أفريقيا إلى المشرق العربي، تحديدًا في ثنائية لبنان والعراق التي اتخذ شبابها أيضًا شعار الإقالة الجماعية والرفض العام «كلن يعني كلن» و«نريد وطن» في انعكاس لحالة اللا ثقة التي يعيشها الشباب مع مؤسسات الدولة، مع تبني خطاب جديد أكثر جرأة يرفض التدخل الطائفي والخارجي في الشأن السياسي، ودور كل تدخل في تراكم الفساد، ولا تزال الاحتجاجات حاضرة في الشارع اللبناني مع نهاية العقد الأول للثورات العربية، بالمقابل لاتزال محافظات الجنوب العراقي تحتضن احتجاجات الشباب والمجتمع المدني رغم المضايقات من قبل الميليشيات والجماعات الدينية.
بالنسبة للشباب العربيّ، الاحتجاجات والثورات لم تنتهي بعد، حيث يشكل التردي الاقتصادي والإقصاء السياسي والتهميش الاجتماعي؛ دوافع فعلية للاحتجاج من جديد، خصوصاً في ظل صعود السلطوية مع انتشار وباء كوفيد-19 الذي استغلته أنظمة عربية للثأر من معارضيها، والتضييق على منتقديها، الأمر الذي يهيئ أرضية خصبة للفعل الاحتجاجي الجذري الذي يرفض التغييرات الشكلية والتجميلية التي لم تعد تجدي فعليًا.
###
باحث وكاتب من الأردن
Share your ideas with our team!
info.mena@fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/