أي عدالةٍ مناخية تحت ظل هيمنة الوقود الاحفوري
تم تعيين مدير شركة بترولية كرئيس لمؤتمر المناخ القادم، على الرغم من ذلك لا يجب علينا مقاطعة المؤتمر ولكن علينا أن نضاعف جهودنا في حماية المناخ.
تعيين مدير شركة نفط كرئيس لمؤتمر المناخ – ما يبدو وكأنه بداية لنكتة سيئة - هو الآن واقع. تم تعيين سلطان أحمد الجابر المدير التنفيذي لشركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) الأسبوع الماضي رئيسًا لمؤتمر المناخ المقبل، الذي ستستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة في دبي في نهاية العام الجاري 2023. أدنوك لديها ما يشبه احتكار حكومي لمصادر الطاقة في البلاد. من حيث حجم الإنتاج، تعد أدنوك ثاني أكبر شركة نفطية في العالم، وستقوم باستثمارات تعد ثاني أكبر استثمارات في مجال الطاقة الأحفورية في جميع أنحاء العالم خلال السنوات القادمة. حقيقية أن الجابر هو ايضًا رئيس مجلس إدارة شركة مصدر، وهي شركة مملوكة لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي تعد ثاني أكبر شركة على مستوى العالم في قطاع الطاقة المتجددة لا تساعد هنا؛ حيث أن استثمارات أدنوك في الوقود الأحفوري أكبر بكثير.
تعيين الجابر كرئيس لمؤتمر الأطراف كان متوقعاً ويجسد بشكل مثالي نهج دولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة تغير المناخ، وذلك من خلال وظائفه المتعددة والمتناقضة كونه وزيراً للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والمبعوث الخاص المعني بتغير المناخ.
الغسل الأخضر "Greenwashing" يستخدم لإخفاء نية تمديد النموذج الاقتصادي القائم على الوقود الأحفوري لأطول فترة ممكنة. ينظر الى تغير المناخ على أنه تحد تكنولوجي بحت، بينما تُستخدم الطاقة المتجددة والنووية في المقام الأول لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة، لتكون قادرة على تصدير الوقود الأحفوري أو الهيدروجين بكميات أكبر ولمدة أطول.
في خدمة المناخ العالمي؟
الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من أكبر 10 منتجين للنفط والغاز في العالم، إذ تمتلك أكثر من 100 مليار برميل من احتياطات النفط المؤكدة وحوالي 3.1 في المائة من احتياطات الغاز العالمية وتشكل أرباح تصدير هذه الأصول الجزء الأكبر من الإيرادات الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة. على الرغم من جميع أهداف وضرورات تغير المناخ، تخطط دولة الإمارات العربية المتحدة لتوسيع طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز إلى ما مجموعه خمسة مليارات برميل في عام 2030 وتستثمر أكثر من 600 مليار دولار أمريكي لهذا الغرض. وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن هذه الخطط الاستثمارية تتعارض بشكل مباشر مع اتفاقية باريس للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة. حيث يكون هذا ممكنًا فقط إذا لم يكن هناك المزيد من الاستثمار الجديد في الوقود الأحفوري في المستقبل، وفقًا لتقييم وكالة الطاقة الدولية.
يلعب رئيس مؤتمر المناخ دورًا رئيسيًا أثناء مفاوضات المناخ وقبلها على حد سواء، لأنه يتعين عليه العمل "كوسيط نزيه" بين مختلف المصالح الوطنية والمحددة وتحقيق توافق في الآراء متسق مع اتفاقية باريس. كما يلعب الرئيس دورًا فعالًا في تحديد الأولويات التي ستحكم المفاوضات، ولكن من الصعب أن نتخيل ان شخصًا ما من داخل الشبكة المتماسكة من الحكومة وصناع الوقود الأحفوري يمكنه التصرف بشكل مستقل ووضع نفسه في خدمة المناخ العالمي كما يتطلب الدور.
لذلك، أثار تعيين الجابر غضبًا حقيقيًا من المجتمع المدني الدولي، الذي يخشى تضاربًا هائلًا في المصالح، جنبًا إلى جنب مع انتشار الحلول التكنولوجية غير المتطورة لتغير المناخ، مثل تخزين ثاني أكسيد الكربون، والتي تصرف الانتباه عن الضرورة الملحة لتقليل الانبعاثات. وفقًا لرومان بوالالين من منظمة تغيير الوقود البيئية الدولية، إن تعيين الجابر رئيسًا لمؤتمر الأطراف، يشبه تكليف رئيس إحدى شركات التبغ بمسؤولية حملة لمكافحة التدخين. كما وطالبت تسنيم إيسوب - مديرة شبكة العمل المناخي العالمية وهي أكبر اتحاد جامع، لمنظمات المجتمع المدني العامل في مجال التغير المناخي - الجابر بالاستقالة من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة أدنوك، على الرغم من هذه المطالب، فقد تم بالفعل التأكيد الأسبوع الماضي أن الجابر سيحتفظ بمنصبه في أدنوك طوال فترة رئاسة مؤتمر الأطراف.
ماذا يعني هذا للجهود المبذولة من أجل حماية المناخ الطموحة في مؤتمر المناخ المقبل؟ لا يمكن أن تكون التحديات أكبر، لأن عكس مسارنا الحالي من أجل الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية يظل أمرًا ضروريًا. للقيام بذلك يتعين على جميع الدول مضاعفة جهودها لحماية المناخ. في مؤتمر المناخ ستكون "عملية استخلاص الحصيلة العالمية" (Global Stocktake) محورية في هذه الخطة التي تم إطلاقها في غلاسكو في عام 2021 ومن المقرر الانتهاء منها في مؤتمر المناخ هذا العام؛ تمثل عملية استخلاص الحصيلة العالمية أول تدقيق عالمي مفصل لما تم تحقيقه منذ عام 2015 تحت مظلة وبنود اتفاقية باريس. واستنادًا الى نتائج عملية التقييم والتي ستشمل خبراء خارجيين وأطرافًا خارج الحكومة بالإضافة إلى الدول الموقعة نفسها، سيطلب من الدول تحديث خططها الوطنية لحماية المناخ للفترة من 2024 إلى 2025. وبالتالي فهي تحدد المسار لزيادة الطموح، لاسيما في المجال الحاسم لأهداف التخفيف.
مثال يحتذى به:
من المهم لهذه العملية أن يأخذ البلد المضيف لمؤتمر الأطراف دورًا رائدًا ويقدم مثالًا جيدًا من خلال الإعلان عن أهداف طموحة بشكل خاص. ومع ذلك، فإن هذا - للأسف - لم يحدث في مصر العام الماضي، ويبدو أيضًا أنه من غير المحتمل أن ترفع الإمارات أهدافها المناخية بما يتماشى مع قدراتها كدولة غنية حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يقارن بدول مثل المملكة المتحدة ونيوزيلندا وألمانيا. هذه أسوأ شروط مسبقة يمكن تصورها لتنفيذ اتفاقية باريس للمناخ، والتي كما هي الآن كالنمر بلا أسنان، تعمل دون أي آليات لعقوبات صارمة.
بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن يقوم مؤتمر المناخ القادم بتوفير معلومات أكثر حول صندوق الأضرار والخسائر الرائد الذي تم لاتفاق عليه في المؤتمر الماضي، والذي يهدف إلى دعم الدول النامية بشكل خاص في التعامل مع الأضرار والخسائر التي تكبدتها نتيجة لتغير المناخ. ولاتزال المبالغ التي يجب تخصيصها موضوع خلاف، بالإضافة لتحديد الدول التي يجب عليها أن تساهم في الصندوق. القضية الرئيسة هي ما إذا كان يتعين على الصين ودول الخليج بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة أن تدفع للصندوق، حيث تم إدراجها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كدول نامية لا تتحمل مسؤولية تاريخية عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وفي ضوء هذه القضايا الملحة والحاجة المستعجلة للعمل المناخي، يبدو ترشيح الجابر رئيسًا لمؤتمر الأطراف بمثابة كوميديا سيئة. فما هي الخيارات المتبقية الآن للجهات الفاعلة التي تدفع نحو عمل مناخي طموح؟ هل يجب عليهم مقاطعة مؤتمر الأطراف لأن ممثل لوبي النفط قد تولى الرئاسة؟ سيكون هذا المسار الخاطئ، لأن القول الذي ينطبق هنا هو "إذا لم يكن لديك مقعد على الطاولة، فمن المحتمل أن تكون على قائمة الطعام" – إذا لم تكن هناك فليس لك رأي على الإطلاق. هذا من شأنه أن يترك المجال مفتوحًا للوبي الوقود الأحفوري المتنامي. وفقًا لصحيفة الغارديان يمكن تصنيف 636 شخصا ممن حضروا مؤتمر المناخ الماضي COP27 في مصر كأعضاء في هذا اللوبي – بزيادة أكثر من 25% عن العام السابق له.
المؤتمرات المناخية الدولية هي الركيزة الأساسية لتنفيذ اتفاقية باريس وهي أهم أداة لحماية أكبر للمناخ في جميع أنحاء العالم ولهذا السبب بالتحديد وعلى الرغم من كل شيء، يحتاج المجتمع المدني الدولي إلى تمثيل قوي في المؤتمر القادم للدعوة إلى سياسات مناخية فاعله وللفت الانتباه الى حِيَل ومكائد لوبي الوقود الأحفوري.