تحظى أزمة المناخ باهتمام متزايد في جميع أنحاء العالم، وقد ساهم في زيادة هذا الاهتمام تسليط الضوء على الناشطة السويدية الشابة غريتا ثونبري وحركة فرايديز فور فيوتشر (Fridays for Future)، فضلاً عن التأثيرات الظاهرة للتغير المناخي، ومن ذلك انتشار حرائق الغابات في أستراليا نهاية العام الماضي.
على الرغم من خيبة الأمل الناتجة عن مؤتمر الأطراف 25 للتغيرات المناخية(COP25) - والذي عُقد في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019م في العاصمة الإسبانية مدريد-، إلا أنّه تم الوصول فيه لاتفاق يحقق تقدماً إيجابياً من خلال خطة عمل جديدة للمساواة بين الجنسين (GAP) والتي ستستمر لمدة خمس سنوات، وتحدد هذه الخطة أهدافاً ومؤشرات متعددة الجوانب مع مراعاة المساواة بين الجنسين لدعم النساء، والسكان الأصليين للأراضي، وغيرها. وتعدُّ هذه خطوة إيجابية نحو سياسات شاملة وعادلة بشأن تغير المناخ في المستقبل. لكن كيف يرتبط النوع الاجتماعي (الجندر) بالتغير المناخي على الصعيد العالمي، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
يرتبط التغير المناخي والجندر من خلال منظور تحليلي وهو التقاطعية (تقاطع أشكال التمييز)، وهو منظور يوضّح ما هي مصادر القوة وأين تتصادم، وأين تتقاطع وتتشارك"، فالتقاطعية توضّح كيفية تقاطع أنظمة القوة والامتيازات وأشكال التمييز في العالم، وذلك من خلال تسليط الضوء على الاختلافات في النفوذ والقوة، والدعوة لتحمل المسؤولية والعمل من قِبل أولئك الذين يعيشون في بيئات مجتمعية "ذات نفوذ".
من الجدير بالذكر أنّ الجندر أو النوع الإجتماعي يحدد بشكل كبير من تسبب وما زال يتسبب في التغير المناخي ومن سيتحمل تأثيراته الرئيسية الناتجة عنه. إذ سيتأثر النساء والرجال أيضاً من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من التغير المناخي بشكل أسوأ من نظرائهم في أوروبا، كما أنّ قدراتهم للتكيف مع ذلك أقل بكثير.
وعند التفكير بمن تسبب في التغير المناخي ومن هم الأكثر تأثراً به يأتي منظور التقاطعية ليفسر ذلك، وبالتالي ولإعادة تأسيس العدالة التقاطعية، تحتاج البلدان الصناعية التي كانت وما زالت تتسبب في معظم التغير المناخي، إلى إيجاد طرق لمساعدة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على التكيف مع الوضع مالياً، إضافة إلى مشاركة الخبرات معهم.
لنأخذ المثال الحسابي التالي لتوضيح هذه النقطة، حيث سنقارن رجلاً من ذوي البشرة البيضاء من الطبقة المتوسطة في أوروبا الغربية (ولنطلق عليه اسم السيد شميتز)، مع امرأة منخفضة الدخل من إحدى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (السيدة أمل)، وهذه المقارنة ستوضح أن هناك أنظمة متباينة من الإمتيازات والتمييز بين الأفراد في المنطقتين.
فأسلوب حياة شميتز ينتج عنه انبعاثات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنة بأمل، ومن ذلك إهدار الطعام على سبيل المثال (55 كجم متوسط إهدار الفرد للطعام في ألمانيا سنوياً مثلاً)، بالإضافة إلى نزعة الاستهلاك الكبيرة، فمن ناحية الدخل ينتمي شميتز إلى فئة تقع بين الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة وفئة الدخل العالي عالمياً، وهذه هي الفئة التي ينتج عنها غالبية الانبعاثات، وكونه يعيش في أوروبا ستزيد نسبة هذه الإنبعاثات الصادرة عنه، إذ يبلغ متوسط انبعاث الغازات في أوروبا 7.6 طن من ثاني أكسيد الكربون لكل شخص.
وبالمقارنة فإن أمل هي من أحد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -الأردن مثلاً-، ففي عام 2014م وُجد أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الأردن هي نحو 3.965 طن لكل فرد سنوياً، وبالنسبة لذوي الدخل المنخفض كأمل فبلغت نسبة الانبعاثات 1.6 طن لكل فرد سنوياً.
لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ هناك اختلافاً بين الجنسين في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وكون أمل امرأة فإن الانبعاثات الناتجة عن حياتها قد تكون أقل. إذ تظهر الدراسات في كندا والاتحاد الأوروبي أن النساء ينتجن انبعاثات أقل بالمتوسط العام من الرجال، فمثلاً في كندا ينتج عن النساء 25٪ فقط من الانبعاثات، بينما في فرنسا ينتج الرجال انبعاثات أكثر بنسبة 21.67٪ أعلى من المتوسط الطبيعي لانبعاثات الفرد في السنة.
وبالتالي، فإن البصمة الكربونية والانبعاث الصادرة عن شميتز من غازات ثاني أكسيد الكربون تصل إلى 6 أضعاف الانبعاثات الصادرة عن أمل تقريباً. وإذا أجرينا هذه المقارنة وكان شميتز من الولايات المتحدة، فستكون أعلى ثماني مرات من بصمة انبعاثات أمل.
مثال آخر لتوضيح الصورة؛ السيد سعود رجل من الطبقة الوسطى في المملكة العربية السعودية، حيث يبلغ انبعاث الكربون للفرد 19.4 طن سنويا للفرد. وبالتالي، فإن متوسط انبعاث أفراد الشريحة العليا من الطبقة الوسطى هو 12.9 طن من ثاني أكسيد الكربون، وهذا يعني أن انبعاثات سعود أكثر بعشرة أضعاف أمل!
ستعاني أمل لتتمكن من التكيف مع التغيّر المناخي أكثر من غيرها، فإمكانيتها للحصول على رأس المال أقل (لأسباب الاجتماعية كمواجهة التمييز العنصري، وصعوبة التنقل بسبب ضعف جواز سفرها، ولأسباب مادية ومنها نقص المال وصعوبة الوصول للسلع)، كما أنّ إمكانيتها للتنقل أقل (بسبب "الأدوار التقليدية للجنسين"، فهناك أعمال تقتصر على أحد الجنسين كخدمات الرعاية، وغيرها من الأسباب كالاعتماد على أحد الجنسين أكثر من الآخر في وظائف معينة).
وبالمقارنة بين أوروبا الغربية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - ستتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أكبر بكثير بسبب التغير المناخي، وستشهد ظواهر كالتصحر، وتفاقم النقص في المياه وصعوبة الوصول إلى الموارد. وبالمقارنة مع شميتز، هو يمتلك رأس المال بالإضافة إلى قدرته على التنقل بسهولة، وبالتالي فإنه سيتأثر بالتغير المناخي ولكن قدرته على التكيف ستكون أفضل، إضافة لكون تأثيرات التغير المناخي في أوروبا أقل من غيرها.
فيما يلي ملخص للعوامل الرئيسية للآثار الجندرية للتغير المناخي وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن آسيا والمحيط الهادي:
ماذا يعني كل هذا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
إننا بحاجة إلى دمج التحليل الجندري وتعميمه في خطط للتخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معه حتى نتمكن من الاستعداد لآثاره، من خلال دمج المجموعات المختلفة مثل النساء والشباب والمجتمعات الفقيرة وغيرهم في مراحل التشاور والتخطيط، من أجل رسم سياسات وخطط أكثر فعالية وعدالة.
علاوة على ذلك، إنه أمر في غاية الأهمية بالنسبة للدول المتقدمة والدول الصناعية وكذلك دول الخليج أن يزيدوا من دعمهم للبلدان الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي، والتي لم يكن لها دور كبير في إحداثه. ولا يمكننا تحقيق ذلك من خلال العدالة بين الجنسين فحسب، بل سنكون بحاجة إلى تطبيق العدالة التقاطعية لنتمكن من اتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة تغير المناخ في العالم.
شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني
info.mena@fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/