19.05.2020

الشباب السوداني وتحديات ما بعد الثورة في عصر فايروس كورونا

قد تكون جائحة فايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) المسمار الأخير في نعش القطاع الصحي السوداني، حيث ورثت الحكومة الانتقالية أنقاض دولة ونظام صحي متهالك لا يقوى على مجابهة هكذا جائحة بعد دمار استمر لأكثر من 30 عاما.

الملاحظة الظاهرة للعيان هي أن استجابة الشباب السوداني لجائحة كورونا واسعة وسريعة، ومع توالي ظهور الحالات القادمة من دول الجوار وتشكيل اللجنة العليا لمكافحة كورونا، شكلت لجان الأحياء ولجان المقاومة بالأحياء -لجان شبابية تكونت إبان ثورة ديسمبر- غرف طوارئ للتوعية حول المرض وسبل الوقاية منه. ومع ازدياد الحالات بدأ الهلع في الأسواق واختفاء المواد الطبية بما فيها معقمات الأيدي، بدأ الشباب بمساندة الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية التنسيق والعمل لمجابهة الجائحة، حيث تطوع عدد كبير من الشباب والشابات يفوق المائة ألف متطوع من مختلف التخصصات وظهرت العديد من المبادرات منها:

  • مبادرة تصنيع المعقمات اليدوية.
  • مبادرات التوعية الميدانية، تكوين منصة تجمع مبادرات التوعية والتي ضمت 289 مبادرة في الخرطوم والمدن الأخرى.
  • مبادرة مركز الاتصال تقدم الشباب للتطوع في مركز الاتصال call center للخط الساخن.
  • مبادرات تجهيز المستشفيات ومراكز العزل والحجر الصحي.

أما شباب الاحياء فقد كان دورهم على المستوى القاعدي، كمراقبة توزيع الدقيق على مخابز الأحياء وإيصال المواد التموينية للأسر وتعقيم أماكن التجمعات كالمخابز ومتاجر الأحياء ومراكز توزيع اسطوانات غاز الطبخ.

 

ما هو السبب وراء مشاركة الشباب الواسعة والتنسيق الكبير مع مؤسسات الدولة لمجابهة الأزمة؟

للإجابة على هذا السؤال، يجب في البدء النظر إلى تاريخ الحركة المدنية الشبابية في السودان. فثقافة التطوع والتنظيم لدرء الكوارث الصحية والطبيعية ليست جديدة على المجتمع السوداني بشكل عام وعلى الشباب بشكل خاص، ففي فترة حكم الدكتاتورية الإسلام السياسي وانهيار مؤسسات الدولة ظهرت مبادرات شبابية عديدة لتخفيف الآثار السلبية على المجتمع، على سبيل المثال مبادرة نفير التي انشأت استجابة للحاجة العاجلة لمواجهة سيول وفيضانات عام 2013. كما تعمل مبادرة شارع الحوادث الشبابية منذ تأسيسها في القطاع الصحي ومساعدة الاسرة المحتاجة للعلاج.

أتت أزمة كورونا بعد أشهر قليلة من تسلم الحكومة المدنية السلطة، وبداية التحول الديمقراطي في البلاد الذي أتى بعد انتفاضة الشعب ضد حكم البشير. رسمت ثورة ديسمبر 2018 المجيدة ملامح الوطن الذي لطالما حلم به الشعب وأراده، "حرية سلام وعدالة"، نداء أطلقه الشعب السوداني وشكل خارطة طريق لوطن استردوه بقوة السلمية. ثاروا, ونزفوا وسقطوا شهداء في سبيل الحرية. حتى بعد سقوط الطاغية رابطوا في ميادين الاعتصام بالعاصمة والمدن الأخرى، مطالبين باستكمال شعارات الثورة.

وعليه فإن صمود هذه الحكومة وإكمال الفترة الانتقالية هو استحقاق ثورة ديسمبر التي قادها هؤلاء الشباب. استجابتهم لمجابهم الكارثة هذه المرة ليس مدفوع بقيمهم المدنية والمجتمعية فحسب، بل بحلمهم الكبير ببناء هذا الوطن. وبالنسبة لهم الخروج من الازمة التي تشكل أكبر تحدي للفترة الانتقالية حاليا هو استكمال للثورة.

المهندس مازن الصادق (وهو أحد المتطوعين لإعادة تأهيل أحد مستشفيات جنوب الخرطوم) يقول: "لطالما هب الشباب لتخفيف آثار الأزمات، وفي السنوات العشر الماضية كانت المبادرات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني هي ركيزة صمود وقدرة تخطي هذا الشعب للعديد من الأزمات. كان الشباب يعملون بشكل مستقل بالرغم من العراقيل التي كانت توضع أمامهم. الآن يعمل شباب المجتمع المدني يدا بيد إلى جانب الحكومة. هذا الشيء ما كان ليحدث في عهد النظام البائد، ويظهر بوضوح رغبة الشباب ليس فقط في تخطي هذا الوقت العصيب بأقل ثمن، بل أيضا في مساندة ودعم الحكومة لنجاح الفترة الانتقالية والتحول إلى الديموقراطية، فالثورة لم تكتمل بعد".

مضى الآن حوالي شهران منذ إعلان أول حالة إصابة بفايروس كورونا في السودان، وبالرغم من بطء انتشار المرض في شهري مارس وأبريل، يبدو أن البلاد قد دخلت مرحلة انتشار المرض في مايو، حيث تضاعفت أعداد الإصابات اليومية وشملت كل ولايات السودان.

التحدي كبير وقد يفوق إمكانيات الدولة ولكنه لا يفوق عزيمة وتحدي الشباب، ومع فرض سياسة الإغلاق الكامل للبلاد وتكثيف حملات التوعية، يأمل السودانيون أن يتخطى القطاع الصحي هذه الأزمة.

###

ماهر الفيل، مدير برامج في مؤسسة فريدريش إيبرت، مكتب السودان.

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de