باتت العدالة الاجتماعيّة بأهميتها الاقتصاديّة والسّياسية، ذات أهمية قصوى في العالم العربي منذ انطلاق شرارة الثورات في 2010-2011. بالرغم من أنّ هذه الثورات لم تحمل معها تغييرا سياسيّا دائما في المنطقة العربيّة إلا أنّها ساهمت في تسليط الضّوء على الضرورة الملحّة لسياسات اقتصادية بديلة. كما ساهمت في تعرية النظام الاقتصادي العربي وإظهاره للعموم كنظام غير مستدام سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو البيئي. لذا أصبحت الحاجة إلى سياسات اقتصادية تضمن العدالة الاجتماعية بين جميع الفئات ضرورة قصوى وملحّة.
من خاصيات هذه السّياسات في المنطقة أن القطاع العام المثقل غير قادر على استيعاب العدد المتزايد للعاطلين عن العمل. كما أنّ الميزانيات العامة اُستهلكت في سياسات الدّعم غير المجدية. في حين أن الرّشوة والمحسوبيّة والاقتصاد الريعي، ساهموا إلى حدّ كبير في الحدّ من التجديد والاستثمار في القطاع الخاص.
في ظلّ هذه الظّروف، تواصل مؤسسات النقد الدّولية دعوتها إلى برامج التكيّف الهيكلي وإلى التحرّر الاقتصادي. مع العلم أنّ هذه السياسات تم تطبيقها منذ عشرات السّنين في المنطقة العربيّة التي كانت سياساتها التّنموية مزيجا من النيوليبراليّة والرأسماليّة القائمة على المحسوبيّة، مع ذلك لم يستفد من هذا النمو سوى نخبة محدودة جدّا. كما أدّت هذه السياسات إلى خلق فوارق طبقيّة حادة، زادت في تعميقها قطاعات الدّولة مثل خدمات الصحّة والتّعليم. هذا بالإضافة إلى تفاوت كبير في الخدمات، في فرص التشغيل وفي الاستثمار بين العواصم والمدن الكبرى من جهة، والمناطق الداخلية من جهة أخرى في جميع دول المنطقة.
الهدف الرئيسي من هذا المشروع هو تطوير بدائل للسياسات الاقتصادية الحالية، التي أدت إلى الظلم الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتقوم مجموعة من الباحثين البارزين من المنطقة بتطوير هذه البدائل، وتسمى "المجموعة الأساسية". وخلال السنة الأولى من المشروع، نوقشت في حلقات عمل وطنية انعقدت في 12 بلدا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط أول ورقة قراءة نقدية عن السياسات الاقتصادية في المنطقة. وستفيد التوصيات والانتقادات والأفكار الناتجة عن حلقات العمل هذه في تحسين اطلاع الفريق الأساسي وتوجيهِ في صياغة مجموعة من المقترحات البديلة المتعلقة بالسياسات الاقتصادية من أجل العدالة الاجتماعية في بلدان المنطقة.
يهدف هذا المشروع إلى بدء مناقشات بين الأكاديميين بشأن القضايا الاقتصادية الملحة، والعمل كحلقة اتصال بين الأكاديميين في المنطقة والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة ذوي الصلة. والهدف من ذلك هو توسيع نطاق المعرفة والفهم بالقضايا الاقتصادية وإثراء التبادلات بين مختلف الأطراف الفاعلة لأنه على هذا الأساس فقط يصبح من الممكن إجراء مناقشة مستنيرة بشأن السياسة الاقتصادية وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية. وفي مرحلة لاحقة، ستكون هناك حاجة إلى تحالفات أوسع بين الأكاديميين وصانعي السياسات والنقابات العمالية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني من أجل البدء في إجراء تغيير تدريجي نحو العدالة الاجتماعية والمطالبة به.