11.12.2023

أسواق الحبوب العالمية

في شمال إفريقيا، أين يعتمد ملايين الأشخاص بشكل كبير على الحبوب والخبز، تستضيف القاهرة أهم سوق في العالم للحبوب المستوردة. يسلط كتاب "أسواق الحبوب العالمية" للكاتب "Jörg Gertel"

في شمال إفريقيا، أين يعتمد ملايين الأشخاص بشكل كبير على الحبوب والخبز، تستضيف القاهرة أهم سوق في العالم للحبوب المستوردة. يسلط كتاب "أسواق الحبوب العالمية" للكاتب "Jörg Gertel", الضوء على تأثير متغيرات السوق، مثل الجهات الفاعلة الرئيسية المشاركة في تجارة الحبوب، على ظروف الإمدادات المحلية والأمن الغذائي، خاصة من خلال مفاوضات توريد القمح والتسعير. كان للحرب في أوكرانيا تأثيرات عميقة على التوريد العالمي، حيث تعد روسيا وأوكرانيا من بين أهم مناطق العالم في زراعة الحبوب. إذ تلعب الدولتان دورا كبيرا في الصادرات الدولية، خاصة في السنوات الأخيرة. إن انهيار إنتاج الحبوب الناجم عن الحرب، إلى جانب النقص المتوقع في التصدير، وارتفاع الأسعار الناتج عنه، يؤثر بشكل أساسي على دول شمال إفريقيا التي تعتمد بشكل كبير على واردات القمح. ومن المحتم أن يؤدي انخفاض إنتاج الحبوب في سوق السلع الأساسية العالمية إلى ارتفاع الأسعار وانتشار الجوع. إن الأسباب الكامنة وراء السعي وراء الربح، والارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، والجوع في نهاية المطاف، مفهومة، وفقا لنظرية الليبرالية التقنية - مما يعني التفاعل بين النيوليبرالية والتكنولوجيا وإنتاج المعرفة. ليس بالضرورة أن يكون هذا الترابط دائم، بالإضافة إلى عدم اقتصاره على مساحة واحدة محدودة.

في العادة تتخذ هذه الإجراءات الهيكلية مكانًا بعيدًا عن الأنظار العامة، حيث تتم في الغالب في مكاتب وغرف التبادل، وتُخفى بعيدًا عن المحاسبة الشفافة. ونتيجة لذلك، يمكن لها في كثير من الأحيان التهرب من إشراف الدولة والرقابة الإدارية.

 علاوة على ذلك، فهذه التحالفات تتجنب المسؤولية وتتهرب من التقييم أو حتى المساءلة الاجتماعية. التكنولوجيا التي تتمحور حول التكهن والأرباح من التحكيم، والتي تصبح فعالة أيضًا في أجزاء من الثانية، تعمل بشكل استغلالي؛ حيث ترفع أسعار الخبز وتؤدي في النهاية إلى تدهور معدل الأمان، الجوع، والوفاة المبكرة.

 لفهم الآليات الأساسية لفقدان السيطرة، وجب إعادة صياغة منظورنا للمال، الاعتراف به كأداة تبادل. قام باحثون بدراسة دقيقة لدور المال، حيث يمكن التمييز عادةً بين العملة الورقية والأموال السلعية. العملة الورقية تستخدم كوسيلة دفع لا تمتلك قيمة ذاتية، وعادةً ما تكون على شكل أوراق نقدية تصدرها البنوك المركزية. على النقيض من ذلك، المال السلعي، مثل الذهب أو الحبوب، يمتلك قيمة ملموسة. في شمال إفريقيا، كانت الحبوب ومخازن الحبوب تحتل مكانة تاريخية لأهميتها في الأوضاع الطارئة ومساهمتها في الحفاظ على السلطة. حتى اليوم، يُستخدم مصطلح "مخزن" للإشارة إلى الحكومة في المغرب.

عند تحليل أسباب ومخاطر الأزمات الغذائية، تم تحديد ثلاثة عوامل. من الضروري توسيع نطاق تحليلنا لهذه العوامل في ضوء التطورات الراهنة.

  1.  صعوبات الإنتاج (فشل الإنتاج): الجوع هو نتيجة فشل الإنتاج. ومع ذلك، من الواضح أيضا أن انخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار الناتج عنه أصبح يؤثر مباشرة على المستهلكين: نقص الإنتاج والتوصيل من وإلى أوكرانيا، بالإضافة إلى مشاكل الاستهلاك في مصر وتونس.
  2. صعوبات السوق والنفوذ الى الأسواق : (Défaillance des droits; Sen 1991)  النقطة الرئيسية في تحليل هذه الصعوبات هي أن ديناميات تكوين الأسعار وتقلب أسعار المواد الغذائية تتفاوت تفاوتا غير متماثل في العلاقات التجارية المتصلة دوليا. حتى مع المواد الغذائية المتاحة محليا، يمكن أن يقع نقص حاد في الموارد الغذائية مما يؤدي إلى المجاعة بسبب عدم كفاية الموارد والفقر. علاوة على ذلك، لا يستطيع البعض تحمل تكلفة الغذاء المتاح محليا بسبب المشاكل المتعلقة بالقوة الشرائية.
  3. عدم الالتزام والفشل في التدخل(Défaillance de la réponse; Devereux 2007)   : تمثل هذه المسائل أزمات الغذاء "الجديدة" التي تنشأ في سياق العولمة. غالبًا ما يربط فشل التدخلات بوجود أنظمة سياسية قمعية وأوضاع أمنية غير مستقرة. ففي حالات النزاع المسلح، ينتشر الجوع والعنف. أظهرت نتائج تجاربنا العملية من خلال مقابلات واسعة أُجريت في عام 2016 عبر شمال إفريقيا (المغرب وتونس ومصر) والشرق الأوسط (لبنان وسوريا والأردن وفلسطين والبحرين واليمن) بشأن التغيرات الكبيرة منذ الربيع العربي (2011)، أن معظم المستجيبين أشاروا إلى ندرة المواد الغذائية وتزايد العنف كقضايا رئيسية تشغل الرأي العام.

غالبا ما يكون المتضررون من هذه التقلبات غير قادرين على تحديد الأسباب المعقدة وراء معاناتهم الاجتماعية، ناهيك عن الديناميكيات الأساسية التي تحرك السوق العالمية. وفي حين أن آثار الصراع العنيف والتشريد القسري والفقر محسوسة ومعترف بها على نطاق واسع، فإن فهم الآليات المعقدة مثل تركيز القوة السوقية في البيوت التجارية الدولية، سلاسل التوزيع العالمية، الاستراتيجيات الاقتصادية للبنوك والصناديق السيادية، المضاربة المالية في السلع الغذائية، ومناهج الاستثمار في اتحادات رأس المال الخاص، يصعب تحديد موقعها، ويصعب فهمها وأحيانا يتم إخفاؤها عمدا. إن سلاسل العمل الطويلة والمجزأة، وكذلك الشبكات العابرة للحدود التي تربط مختلف الجهات الفاعلة التي تنتقل معاملاتها من منطقة إلى أخرى، والتي تتميز بشكل أكبر بزيادة سرعات المعاملات، لا تجعل القضايا التنظيمية أكثر تعقيدا فحسب، بل تثير أيضا تساؤلات حول مسائل المسؤولية (التدخل) والالتزام (تحمل التكاليف). يمكن أن ينتج نقص الغذاء في أوقات النزاع المسلح أو الأزمات المزمنة عن تعطيل قطاعات مختلفة من السلسلة الغذائية: سواء على مستوى الإنتاج أو التسويق أو التوزيع. المجاعات ليست عرضية أبدا؛ يتم إنشاؤها عمدا. وبالتالي، لا ينبغي أن ينظر إليها على أنها فشل للنظام الاجتماعي أو الاقتصادي، بل على أنها نتاج لذلك النظام. وبالتالي، من الضروري النظر في كل من الأسباب المحلية لنقص الغذاء والتأثيرات الخارجية، وخاصة أولئك الذين يستفيدون من المجاعة والفوضى.

يورغ غيرتل (الأستاذ الدكتور) أستاذ الدراسات العربية والجغرافيا الاقتصادية في جامعة لايبزيغ. نقله تعليمه إلى جامعات دمشق والقاهرة والخرطوم. كما قام بتدريس وإجراء أبحاث في جامعة فرايبورغ وعدة مرات في سياتل وأوكلاند. يركز بحثه على منطقة البحر الأبيض المتوسط الأوسع ومسائل الأمن الغذائي والتنقل وديناميكيات السوق وحالة الشباب والشباب.

يمكنك الاطلاع على الكتاب المتاح باللغة الألمانية وتنزيله على العنوان التالي

 

جينا محمود أوان  متدربة سابقة في FES بتونس، طالبة ماجستير في «سياسة ومجتمع الشرق الأوسط المقارن»