22.03.2024

"الحرب ضد الإرهاب " وفشل الغرب المستمر

أدت سياسات مكافحة الإرهاب التي أقرها "بوش" بعد أحداث 11 سبتمبر الى تغيير العالم نحو الأسوأ. ورغم ذلك تجد السياسيين متمسكين بها

هناك أمر مألوف حول ردود الفعل الغربية على هجمات 7 أكتوبر. فالمعلقين الذين يقارنون الحدث بما شهدة الأمريكيون في 11 سبتمبر على حق، ولكن ربما هذه المقارنة ليست كما يعتقدون تماما. تجد أن الحدثان خلقا المناخ الأنسب لاختفاء العقلانية تماما في النقاش العام واستبدالها اما بالعاطفة وهذا في أفضل الأحوال واما بالهستيريا ومطاردة الساحرات في أسوئها.

ومن الطبيعي أن ألقى العديد من المراقبين اللوم على بنجامين نتنياهو وحكومته في أحداث 7 أكتوبر. لكن هذه الانتقادات جاءت في أعقاب نموذج أمني أولاً وقبل كل شيء، حيث أشارت، على سبيل المثال، إلى حقيقة أن القوات الإسرائيلية كانت متمركزة في الضفة الغربية لحماية المستوطنين بدلاً من حراسة الحدود مع غزة. لكن هذه الرواية تغفل العديد من النقاط الأساسية. ما حدث في 7 أكتوبر كان أكثر من مجرد فشل أمني؛ بل كان الانهيار الفكري لعقيدة مكافحة الإرهاب بأكملها التي تعود إلى زمن طويل، والتي دافع عنها نتنياهو باستمرار طوال حياته المهنية.

 

هوس دام عقودا طويلة في مكافحة الإرهاب.

في كتاب صدر عام 1986 بعنوان “الإرهاب. كيف يمكن للغرب أن ينتصر”، قام نتنياهو، إلى جانب العديد من الآخرين (بدءًا من الجنرالات الإسرائيليين إلى المستشرق برنارد لويس)، بتفصيل طريقته لفهم "الإرهاب" وكيفية هزيمته. وبحسب ما ورد، لاقى الكتاب استحسانًا من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان، الذي "أوصى به لكل مسؤول كبير في إدارته واستشهد به باعتباره يلعب دورا في تمويله غير القانوني لقوات الكونترا في نيكاراغوا". وها قد مضى 40 عاما ومازال النصر على الإرهاب غاية بعيدة المنال.

وقد أعقب نيتينياهو بعد أول نشر قام به عام 1995 بكتاب يحمل نفس العنوان تقريبا : "مكافحة الإرهاب: كيف يمكن للديمقراطية التغلب على الإرهاب المحلي والدولي". حيث قام بتطوير نفس الرؤيا تماما. وقد ختم رئيس الوزراء الإسرائيلي كتابه الأول في هذه الفقرات ذات أهمية بشكل خاص:

" العنف المقيد هو السبب الجذري للإرهاب، ويمكن العودة بذلك إلى وجهه نظر عالمية تؤكد أن بعض الأهداف الأيدولوجية والدينية تبرر ،بل وتتطلب، التخلص من الوازع الأخلاقي تماما. وفي هذا السياق فإن القول بأن الإرهابيون هم السبب الجذري للإرهاب هو أكثر من مجرد حشو.

 

ويشير إدوارد سعيد إلى الجانب الأساسي لتركيز الكتاب على السكان العرب والمسلمين، وهو ما شرّع استخدام العنف العشوائي ضدهم.

 

"الإرهاب" بهذا التعريف هو جوهر بحد ذاته. لا يمكن فهمه، هذا ما هو عليه. بعض الأشخاص عنيفون ببساطة لأنهم عنيفون، ولا يوجد تفسير لذلك. لا توجد فائدة من توضيح سياقها أو التفكير الدقيق بها. والرد الوحيد المناسب يمكن استخلاصه من وجهه نظر أمنية وعسكرية. والفكرة الأساسية لهذا التفسير هي معاملة جميع المجموعات المسلحة بنفس الطريقة، حتى لو كانت تختلف جوهريا. وبالتالي، يمكن ضم مجموعات مختلفة مثل حماس، وحزب الله، وتنظيم الدولة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، والقوات المسلحة الثورية الكولومبية، وحزب العمال الكردستاني معا.

وفي مراجعة لاذغة للكتاب، كتب إدوارد سعيد أن "الكتاب بأكمله للأسف يرتكز على فرضية مفادها أن الديمقراطيات الغربية وقادتها ساذجون وناعمون وأغبياء. وأنها حالة لا علاج لها إلا بالتخلي عن جوهرها "الغربي". واستبداله بالعنف والصلابه وعدم الرحمة.

وأشار سعيد كذلك إلى الجانب الأساسي لتركيز الكتاب على السكان العرب والمسلمين، الذي شرع لهم الاستخدام العشوائي للعنف ضدهم : " إذا أمكنك إثبات أن الليبيين والمسلمين والفلسطينيين والعرب، بشكل عام، هم إرهابيين وليس هناك واقع غير ذلك وهو يؤكد أن هذا جوهرهم مهما كانو ليبيين مسلمين فلسطينيين أو عرب، فيمكنك الاستمرار في مهاجمتهم ومهاجمة دولتهم "الإرهابية" بشكل عام، دون التشكيك في سلوكك." تبقى كلمات سعيد ذات صلة كبيرة نظرا إلى ما يحدث الآن في غزة.

 

11 سبتمبر: نقطة تحول

لقد سمحت أحداث 11/ سبتمبر بانتصار رؤية نتنياهو أيديولوجيا. والآن حان الوقت ل "صدام الحضارات" بين الغرب ( أو "العالم الحر") من جهه و"البرابرة" من جهة أخرى، للحرب ضد "محور الشر"، من أجل الحرية ، تقييد قوانين مكافحة الإرهاب. والحرب الغير شرعية على العراق دون تفويص من الأمم المتحدة، وتهميش مطالب الشعب الفلسطيني.

وفي جلسة استماع عقدت أمام الكونجرس الأمريكي في سبتمبر عام 2002، أدرج نيتنياهو مجموعة من الدول التي اقترح قصفها وإسقاط أنظمتها: العراق وإيران وليبيا. وتعرضت اثنتان منهما للقصف (ليبيا والعراق)، ولا تزال عواقب ذلك محسوسة حتى اليوم. حتى وإن لم يتمكن من إضافة إيران إلى قائمة المستهدفين، فقد تمكن نتنياهو من إخراج الاتفاق النووي عن مساره بفضل دونالد ترامب. وفيما يتعلق بالعراق، قدم نتنياهو الوعد : " إذا قمتم بالقضاء على صدام ونظام صدام، فأنا أضمن أن ذلك سيعود بانعكاسات إيجابية هائلة على المنطقة." وبالنظر إلى عواقب حرب العراق، يجد أن هذا التصريح الأكثر إحراجا قد أدلى بها زعيم سياسي على مر التاريخ.

 

تجد السياسات التي وضعها جورج دبليو بوش والمحافظون الجدد بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 غيرت العالم نحو الأسوأ بشكل عميق. لقد كانت حروب الغزو ضد أفغانستان والعراق كارثة سياسية وعسكرية واستراتيجية وإنسانية. فقد أدت الحرب ضد العراق إلى ظهور تنظيم داعش وفظائعه، سواء في العالم العربي أم في أوروبا. و"الإرهاب" لم يهزم بعد، بل على العكس تماما. وفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تم استبعاد أي حل سياسي، حيث انحاز الأمريكيون بشكل كامل الى الحكومة الإسرائيلية. وقد دفع الفلسطينيون ثمنا باهظا لذلك خلال الانتفاضة الثانية وقمعها القاسي.

اختبار جديد وفشل جديد

لقد حكم نتنياهو إسرائيل دون انقطاع تقريبا منذ عام 2009. ولم تتغير عقيدته، وكان لديه متسع من الوقت لتنفيذها بشكل منهجي. ومع ذلك، فقد وقعت هجمات 7 أكتوبر. وليس من المهم أنه حبس مليوني شخص في سجن في الهواء الطلق، وبنى الجدران والحواجز بأحدث التقنيات- فقد انهار كل ذلك مثل بيت من ورق في غضون ساعات.

ومع ذلك، لا يبدو أن هذا الفشل الواضح يثير التساؤل المناسب حول " الحرب ضد الإرهاب" ويتعرض بوش والمحافظون الجدد لانتقادات واسعه النطاق ويستبعدون من الحوار الغربي السائد. لكن إرثهم لا يزال قائما، ويستمر العديد من الممثلين  السياسيين في تبني آرائهم، حتى وإن كانوا ليبراليين أو تقدميين. وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل من "تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر". ولكنه في نفس الوقت، وصف هجوم حماس بأنه "شر محض"، وهو تفسير يمثل استمرارا ل"معركة الخير ضد الشر" التي أطلقها بوش.

 

ورغم أننا نستطيع أن نفهم السياسة الواقعية وما تنطوي عليه من سخرية، فمن الصعب أن نفس السبب وراء إصرار العديد من الزعماء في الغرب على التحالف مع نتنياهو، الذي أظهر لأكثر من أربعين عاما أنه مخطيء منهجياً.

 

وقال زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، إن لإسرائيل الحق في قطع المياه والكهرباء عن غزة. إن مثل هذا التصريح الصادر عن أحد محامي حقوق الإنسان يكشف الكثيرعن مدى اعتيادنا على استخدام القوة العسكرية منذ عام 2001، عن انهيار مبادئ القانون الدولي. بين عدم قدرتهم على تجاوز مجرد الندم على مقتل المدنيين ( دون أي قراءة سياسية حقيقية للوضع)، أو عدم مبالاتهم بالأزمة الإنسانية في غزة أو اصطفافهم الصريح مع الحكومة الإسرائيلية ، يبدو أن معظم القوى التقدمية في الغرب غير قادرة على التحرك برد سياسي واضح يخالف استخدام القوة الذي يدعو إليه أليمين.

كل ما دعا اليه نتنياهو تم تطبيقه على مدى السنوات الأربعين الماضية: النهج القائم على الأمن، والافتقار إلى الرؤية والتفكير السياسي، والاستخدام العشوائي للقوة، وتعليق الحقوق والحريات الأساسية. ومع ذلك فإن "النصر" الذي وعد به منذ عام 1986 (والذي لم يحدده بشكل صحيح) لا يزال معلقا. ونفس الشخص يشن الأن حربا بأعمال عنف جديدة في غزة، الأمر الذي يثير، وفقا لمحكمة العدل الدولية، المخاوف من الإبادة الجماعية للسكان الفلسطينيين. إن منطق الإبادة الجماعية ليس مجرد فرضية مخيفة بأي حال من الأحوال، بل هو نقطة نهاية معقولة تماما لتفكير نتنياهو. عندما تعتقد أن القوة وحدها كافية، وإذا لم تنجح القوة، فأنت بحاجة إلى المزيد من القوة، فإنك تدخل في دوامة حيث المخرج الوحيد هو القمع النقي والبسيط للمجموعة المعارضة.

ومن الواضح أن رد فعل العالم لا يتناسب مع المخاطر الإنسانية في غزة، على الرغم من أن كلمة " الإبادة الجماعية" قد تم نطقها الآن وينبغي أن تغير معايير المناقشة بشكل أساسي ورغم أننا نستطيع أن نفهم السياسة الواقعية وما تنطوي عليه من سخرية، فمن الصعب أن نفهم ونشرح السبب وراء إصرار العديد من الزعماء في الغرب على الانحياز إلى الرجل، نتنياهو، الذي أثبت على مدى أكثر من أربعين عاما أنه مخطيء منهجيا.

في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست يستعرض مرور 20 عاما منذ 11 سبتمبر، جاء العنوان الرئيسي لكارلوس لوزادا: "كانت أحداث 11 سبتمبر بمثابة اختبار. وتظهر كتب العقدين الماضيين كيف فشلت أمريكا. كان السابع من أكتوبر بمثابة اختبار أيضا. وحتى الأن، فإن الغرب برمته يفشل مرة أخرى.

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de