22.06.2021

حكومة الوحدة الوطنية الليبية 100 يوم من المراوحة!

سميت السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا مطلع فبراير 2021 بجنيف من قبل أعضاء الحوار الليبي بعد مراسم انتخابية لافتة بفوز قائمة سفير ليبيا في اليونان محمد المنفي ورجل الاعمال عبد الحميد دبيبة وحظيت بشرعية من النخب السياسية المختلفة، الي جانب الدول الفاعلة والمؤثرة في ليبيا، ثم تحصلت على المشروعية بمنحها الثقة في سرت أمام مجلس النواب، وحلفها اليمين أمامه في طبرق.

سميت السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا مطلع فبراير 2021 بجنيف من قبل أعضاء الحوار الليبي بعد مراسم انتخابية لافتة بفوز قائمة سفير ليبيا في اليونان محمد المنفي ورجل الاعمال عبد الحميد دبيبة وحظيت بشرعية من النخب السياسية المختلفة، الي جانب الدول الفاعلة والمؤثرة في ليبيا، ثم تحصلت على المشروعية بمنحها الثقة في سرت أمام مجلس النواب، وحلفها اليمين أمامه في طبرق.

ولنكون أكثر دقة فقد منحت السلطة التنفيذية الثقة في يوم 10 مارس وبالتالي فإن المائة يوم حلت بحلول تاريخ 20 يونيو ويبقى أمامها مائة وثمانون يوم!!

 نتساءل اليوم وبعد مرور مائة يوم على تقلد السلطة التنفيذية الجديدة زمام الأمور في ليبيا عن منجزها بمقارنتها بالالتزام القانوني الموجود في خارطة الطريق وبمقارنة تلك الالتزامات وما تحقق على الأرض يمكن أن نرصد التحديات التي عرقلت عمل حكومة الوحدة الوطنية وقللت من حظوظ نجاحها في تحقيق مهامها المنوطة بها.

التحدي الأكبر  

الغاية الرئيسة أو الهدف الأسمى للمرحلة التمهيدية هو تعزيز الشرعية السياسية عبر انتخابات رِئاسية وبرلمانية على أساس دستوري، وتلتزم السلطة التنفيذية وفق خارطة الطريق، بتوفيرِ الظروفِ الإدارية، والمالية، والأمنية، اللازمة للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ومؤسسات الدولة ذات العلاقة بالعملية الانتخابية، لتتمكن من تأدية مهامها على أفضل وجه ممكن.

ومن بين هذه الظروف معالجة مسألة تنظيمية أمنية غاية في الأهمية؛ وهي مسألة الأرقام الإدارية بما يتوافق مع التشريعات الليبية النافذة والعهود والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة.

لا شيء تقريباً أنجزته الحكومة في هذا الملف باستثناء الخطاب الصادر من وزير الدولة لشؤون رئيس الحكومة موجهاً لوزارة الداخلية بتاريخ 20 مارس بشأن اعداد خطة متكاملة لتأمين كافة المراكز الانتخابية والعمل على إنجاح العملية الانتخابية.

التحدي التشريعي

مازالت القاعدة الدستورية قيد الإنجاز رغم أننا على أبواب يوليو الذي عده السيد عماد السائح رئيس المفوضية العليا للانتخابات، موعدا أقصى لتسلم القاعدة الدستورية للبدء في التجهيز للعملية الانتخابية، فاللجنة القانونية لأعضاء الحوار السياسي لم تتوافق على بعض القضايا وبالتالي ارجعتها للجنة الحوار وبدورها احالتها لمجلسي الدولة والنواب وانتهت مدة محاولتهم انجاز قاعدة تشريعية دون فائدة تذكر مما سيرجع القاعدة الدستورية للعرض أمام ملتقى الحوار في 28 يونيو الجاري.

التحدي الأمني

كان يفترض بحكومة الوحدة الوطنية أن تعمل على بسط السيادة الوطنية على كامل الأراضي الليبية، وإنهاء الوجود الأجنبي، وحالة النزاع المسلح، وتوفير الأمن للمواطن؛ غير أن الواقع يقول أن هذا لم يحدث، وقد واجهت التحديات في هذا الملف سواء بخصوص لجنة 5+5 أو بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية؛ ويكفي الإشارة لكون وزارة الدفاع لم تسمى بعد ولا كلف لها وكلاء ولم يعمم خطاب واحد من رئيس الوزراء بصفته وزيراً للدفاع، كما أن رئاسة الأركان العامة هي الأخرى معضلة فاللواء عبد الرازق الناظوري مكلف من مجلس النواب وواضح أن رئيس الوزراء يعترف بمحمد الحداد المكلف من السراج في خطوة أمنية خاطئة من وجهة نظر البعض.

ولم ينتهي الوجود الأجنبي؛ فما زال آلاف المرتزقة الأجانب على الأرض الليبية، كما لم يجد المواطن الأمن والأمان فالجريمة ظاهرة في كل الأقاليم الليبية، والانفلات الأمني علامة بارزة للأسف الشديد.

 وفيما يبدو أن لا قدرة للسلطة التنفيذية على تحرير القرار السيادي الوطني من أي إكراه مادي أو معنوي ولعل أهم الأمثلة هي: اقتحام مجموعة مسلحة فندق يستخدم كمقر عام للمجلس الرئاسي الليبي في طرابلس  بحثا عن رئيس المجلس الرئاسي، واقتحام أخرى لوزارة الخارجية في طرابلس، وعمليات تفجيرية في سبها، ولا يمكن اقصاء مدينة بنغازي عن المشهد الأمني المضطرب؛ وجاء ذلك  من خلال إعلان الحكومة في منتصف أبريل إرجاء أول زيارة لها إلى بنغازي في خطوة أتت بُعيد منع سلطات مطار المدينة مسؤولين أمنيين تابعين للحكومة وصلوا جوّا من طرابلس- منعهم- من تولّي الترتيبات الأمنية للزيارة.

التحدي الاجتماعي

ظن المجلس الرئاسي أن ملف المصالحة الوطنية الرسمية غاية في ذاته ولذلك ومن وجهة نظري وقع في فخ المأسسة لملف المصالحة حيث أصدر قرار رقم 5 لسنة 2021 بإنشاء المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، وأنشغل بإشكاليات تسمية أعضائها والبحث في هيكليتها وآلية عملها وصلاحياتها؛ مما عرقل ولادتها الواقعية ليومنا هذا.

ولم يلتفت للملفات الفرعية الأكثر عملية ومنها آثار النزاعات المختلفة، وذلك ابتداء بإنهاء ظاهرتي القبض والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، وإطلاق سراح المحتجزين دون وجه حق ومعتقلي الرأي والمحتجزين قسرا ولم نرى سعياً حقيقياً لعودة طوعية وآمنة للمهجرين والنازحين من داخل وخارج البلاد.

التحدي المؤسسي

حكومة الوحدة الوطنية الليبية تشكلت لتوحيد الحكومتين المتنافستين: حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس والحكومة الليبية المؤقتة ومقرها بنغازي هذه الخطوة ربطتها خارطة الطريق بتعزيز الحكم المحلي، واللامركزية الإدارية من خلال تمكين المؤسسات المحلية والبلديات من ممارسة مهامها.

ولكن هل قامت الحكومة بعملية التوحيد بشكل مثالي؟، يرى العديد من سكان إقليم برقة مقر الحكومة المؤقتة السابقة -والتي كانت تعرف بحكومة عبد الله الثني- أن ما حدث ليس توحيد مؤسسات بل إغلاق للمؤسسات الموجودة في المنطقة الشرقية وتسريح الموظفين الذين ينتمون إليها، مع عودة فجة للمركزية المقيتة، ولا عزاء للإقليم الفزاني!

التحدي الاقتصادي 

كان يفترض بنص خارطة الطريق أن تقوم الحكومة الجديدة بترشيد المصروفات، والنفقات العامة، وأن تعمل على مكافحة الفساد من خلال الالتزام بمبادئ المسؤولية المالية والشفافية والتعاون الفعال مع المؤسسات الرقابية.

لم نرى محاكمات عادلة بشأن مكافحة الفساد، كما ان المناصب السيادية لم يتفق بشأنها بعد بما فيها محافظ المصرف المركزي، ورؤساء الهيئات الرقابية، الإدارية، والمحاسبية. ولكننا نشيد بالقرار رقم 1 للحكومة الذي نص على إيقاف الحسابات الخاصة في الشركات العامة والصناديق الاستثمارية، وهو القرار الذي وصفه محللون آنذاك بأنه يعكس تركيز الحكومة على الملف الاقتصادي ومعالجة الاختلالات التي يشهدها، في ظل الفساد الذي عانى منه البلد على مدار السنوات الماضية.

ولم نلحظ ترشيد مصروفات ويكفي للتدليل على ذلك الإشارة للتعينات الجديدة والمقار المؤقتة الجديدة وهذه الرحلات المكلفة لكل أعضاء السلطة التنفيذية.

للأسف الميزانية لم تُعتمد من قبل البرلمان بعد وبالتالي مازالت الحكومة تفتقد لآليات العمل, لذلك لم نشهد تحسن ملحوظ على مستوى الخدمات المقدمة للشعب سواء في قطاع الكهرباء أو قطاع الصحة , فحملة التلقيح ضد وباء كورونا غير منظمة وشابها كثير من المثالب، والخدمة المصرفية لم تتعدل كثيرا فمازال نقص السيولة ووقف المقاصة بين المصارف التجارية، أو حتى خدمة المياه ناهيك عن تعطيل ملف الاعمار.

تحدي ملف حقوق الإنسان

كان من المفترض أن تقوم السلطة التنفيذية الجديدة بالنهوض بحقوق الإنسان والتعاون الإيجابي مع المؤسسات القضائية؛ في الواقع لم نشهد إلا عمليات خجولة في هذا الملف لا تكاد تذكر؛ حيث دعت منظمة العفو الدولية حكومة رئيس الوزراء الليبي إلى كبح جماح المليشيات والجماعات المسلحة المسؤولة عن عمليات الخطف والتعذيب والإخفاء القسري وغيرها من الجرائم، كما تعجز حكومة الوحدة الوطنية عن تلبية النداءات القضائية الدولية بتسليم مطلوبين للجنائية الدولية.

وتلزمها خارطة الطريق ايضاً بأن تدعم مفوضية المجتمع المدني لإداء مهامها، وأن ترفع القيود عن عمل مؤسسات المجتمع المدني والأهلي؛ بينما في الواقع سجلت عملية خطف مدير فرع مفوضية المجتمع المدني في مدينة طرابلس، ومدير فرع مفوضية المجتمع المدني في مدينة إجدابيا، ناهيك عن استمرار القيود على بعض منظمات المجتمع المدني الثقافية.

التحدي الدولي

حاولت السلطة التنفيذية إدارة السياسة الخارجية للدولة الليبية بما يحفظ العلاقات الودية والهادئة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، ولذلك رأينا تقارب مع الجانب الإماراتي والقطري والمصري وكذلك الجانب التركي، وشاهدنا تواصل مع دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وروسيا ولكن نظراً لعدم وجود رؤية أو خطة محددة شمولية نخشى أن تتخبط بين الفرقاء لاسيما وإن لكل هؤلاء مصالح متنافسة مختلفة في ليبيا.

كما ظهر جلياً تكبيل السلطة التنفيذية بالاتفاقيات الموقعة سابقا من قبل رئيس حكومة الوفاق بالذات تلك الموقعة مع الدولة التركية رغم عدم تصديق البرلمان عليها , ومن جهة أخرى تواترت الأخبار عن عقد اتفاقيات جديدة قد تلقي على الدولة التزامات طويلة الأمد سواء بخصوص التنقيب عن النفط والغاز أو في سياسات مكافحة الهجرة السرية.

فرص سانحة في ال100 يوم القادمة

نتساءل اليوم ماذا يمكن لحكومة عبد الحميد الدبيبة أن تقدم فيما تبقى لها من عمر قصير جداً؟و ما هي الفرص السانحة التي ننصحها باغتنامها والبناء عليها؟

يجب أن تخرج حكومة الوحدة الوطنية من مؤتمر برلين الثاني في 23 يونيو بخطة ضغط دولية على معرقلي مهامها من الداخل والخارج خاصة وأن هناك إرادة دولية على استبعاد العودة للحرب.

كما أرى ان الحكومة لا تزال مشروعيتها قوية، وبإمكانها تعديل كثير من سياساتها لتصحيح مسارها المؤقت وبالتالي ننصحها بأن تسابق الزمن في أن تركز على التضامن الحكومي والتنسيق الوزاري البيني وعلى اتباع سياسات لامركزية برقابة قوية وننصح الرئاسي بالالتفات للمصالحات الاجتماعية ولملفات أثار النزاعات الأهلية، كما ننصح بالتركيز على الملف الأمني وعلى ارسال رسائل أقوى بشأن رغبتهم وقدرتهم على إنجاز مهمة انتخابات 24 ديسمبر2021.