28.12.2021

المسار السياسي الليبي.. الي أين؟

من المعروف أن الانتخاب ليست صكا على بياض، بل هي اتفاق بين الناخب والمنتخب لأداء مهام معينة لفترة زمنية محددة، ونتيجةٌ لتجاوز المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب المدة القانونية الخاصة بهما

 

     مع نهاية العام 2019 سعت البعثة الأممية لتنسيق مؤتمر دولي يجمع الأطراف ذات العلاقة بالشأن الليبي بقيادة ألمانية بعد فشل تركي روسي للوصول لوقف اطلاق النار، حضر المؤتمر الكثير من دول العالم المهتمة  بشكل مباشر بالشأن الليبي  الي جانب الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية, واستطاعت البعثة عبر مؤتمر برلين  الحصول على أرضية صلبة تبعها قرارات مجلس الأمن رقم (2510،2570،2571) للذهاب لتثبيت وقف اطلاق النار عبر لجنة عسكرية تم تسميتها لجنة (5+5)   و التي شكلت من عشر عسكريين -خمسة من طرف الجيش الوطني الليبي  وخمسة من طرف  حكومة السراج- وبالتوازي  ذهبت البعثة باتجاه تدشين الخطوات الأولى لأنشاء منتدى الحوار السياسي  الذي تحصل على موافقة مسبقة من مجلس الأمن لمخرجاته .

 

أولى الخطوات في اتجاه الاستقرار 

________________

من المعروف أن الانتخاب ليست صكا على بياض، بل هي اتفاق بين الناخب والمنتخب لأداء مهام معينة لفترة زمنية محددة، ونتيجةٌ لتجاوز المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب  المدة القانونية الخاصة بهما، وفشل كل منهما فشلا ذريعا في القيام بمهمته الامر الذي  أدخلنا بدوره في نفق مظلم من نزاع مستمر على الشرعية التي  أنتجت لنا حروبا متكررة، و أدى الي انحدار مخيف للعملية السياسية وفساد ونهب لاسابق له للمال العام  نتيجة لكل هذا دعت البعثة لتكوين منتدى سياسي يضم هذين الجسمين، ويضم معهما كتلة وطنية بحيث تكون هذه الكتلة الوطنية قادرة على قيادة الحل، ولا يترك الأمر فقط لهذين الجسمين . ولعل التساؤل القائم  هو لماذا يتم اشراك أجسام شهدت الأحداث على فشلهم؟ ويأتي السبب  في أن منعهم من المشاركة سيعطيهم المجال للعرقلة والتخريب ولذلك كان لابد من تحجيم دورهم التخريبي عبر ادخالهم في الحل وعدم اقصائهم.

    مع استقالة السيد غسان سلامة  قامت السيدة ستيفاني ويليامز بقيادة البعثة في فترة حرجة جدا، خصوصا وأن وقف اطلاق النار الذي يسعي الجميع لتثبيته عبر كل المسارات لايزال هشاً، لذلك قامت السيدة ويليامز مطلع اكتوبر بانشاء منتدي الحوار السياسي، بمشاركة ( 75) شخصية وطنية ليبية , منها ما يمثل مجلسي النواب و الدولة و  أطرافا عسكرية وسياسية مؤثرة  على الأرض,  الي جانب الأعيان و رواد من المجتمع المدني متمثلا في المرأة والشباب.

 بدأت جلسات المنتدى مطلع نوفمبر من العام الماضي واستمرت اسبوعا كاملا ، استطاع المنتدى من خلالها  انتاج  خارطة طريق شاملة تعالج عدة أمور أهمها التهيئة والتوطئة للانتخابات، وتحديد مهام  وصلاحيات وشروط الترشح للمجلس الرئاسي والحكومة، وكذلك اعتماد يوم الرابع والعشرين من ديسمبر كيوم للاستحقاق الانتخابي، والتشديد على ضمان مشاركة المرأة والشباب في المناصب القيادية العليا لكنه بالمقابل لم يفلح في انتاج الحكومة نتيجة للخلاف الحاد حول الأسماء المقترحة والية اختيارها , الأمر  الذي كانت  نتيجته قيام السيدة ستيفاني وليمز  بإنشاء لجنة استشارية من  أعضاء الملتقى تم تزكية كل عضو فيها من طرف  ثلاث أعضاء من أعضاء الملتقي  في يناير 2021  بجنيف واستطاعت حسم الخلاف بشأن ألية الاختيار, الامر الذي أدى في النهاية الي عقد لقاء  لاحق لملتقى الحوار في فبراير من نفس العام أنتج من خلاله السلطة الجديدة في ليبيا المتمثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.

 

تغييب مقصود للقاعدة الدستورية وبداية لعرقلة الانتخابات

______________

جاءت الحكومة  بمهام محددة  منها توحيد مؤسسات الدولة، والعمل على مساعدة القطاع الصحي لمواجهة جائحة كورونا، وتذليل الصعوبات للشركة العامة للكهرباء لتقوم بعملها لحل مشكلة الكهرباء, ولكن المهمة الرئيسية والمحورية لهذه الحكومة كانت الذهاب باتجاه الانتخابات  في ديسمبر لإنهاء النزاع على الشرعية القائم منذ سنين واشترط ملتقى الحوار على السلطة الجديدة (المجلس الرئاسي و حكومة الوحدة الوطنية ) أن لا تتدخل في الانتخابات وان يقدم  كل أعضائها  تعهداً بعدم المشاركة فيها لضمان العدالة بين المترشحين ولمنع الحكومة من استخدام موارد الدولة أو استغلالها فيدعم أي حملة أو دعاية انتخابية .

     جاءت خارطة الطريق لتحث مجلسي النواب والدولة على تحمل مسؤولياتهم مجددا وذلك عندما نصت   على منحهم مهلة ستين يوما للاتفاق على الاستفتاء على الدستور أو انتاج قاعدة دستورية توافقية تكون أساس المرحلة القادمة , لكن وللأسف انقضت المهلة دون أي نتيجة!  كعادة هاذين الجسمين طيلة السنوات الماضية، وبالتالي آل الأمر الى ملتقى الحوار السياسي بحسب المادة الرابعة الفقرة (3) من خارطة الطريق , الذي شكل بدوره لجنة قانونية من أعضاء الملتقى, والتي انعقدت أولى جلساتها في نوفمبر (2020 ) واستمرت في عملها  لاكثر من عشرين جلسة وانتهت بجلسة مباشرة في ابريل الماضي اختتمت فيه اعمالها مع عدد بسيط من النقاط الخلافية.

ولكن ورغم وصول اللجنة القانونية الى أرضية جيدة جدا لانتاج قاعدة دستورية توافقية بالامكان البناء عليها الا ان التغيير الذي طال ادارة البعثة وانعدام المنهجية وسوء الادارة لديها لم يمكنها من المحافظة على منجز اللجنة القانونية رغم الخلاف الطفيف على بعض النقاط وفي الجلسات اللاحقة التي قادتها هذه الإدارة الجديدة للبعثة الأممية  فتشعب الخلاف وضاعت البوصلة وكثرت المقترحات ولكن المفاجأة  التي لم تكن في الحسبان هو عمل الحكومة بقوة عبر حلفائها الذين قاموا باختيارها داخل ملتقى الحوار على افشال محاولة  الوصول  للقاعدة دستورية وبدلا من أن تقوم الحكومة بعملها لأنجاز الانتخابات حسب مهامها التي نصت عليها خارطة الطريق أصبحت هي الأداة الرئيسية لهدم  هذه الانتخابات وعرقلتها .

 

قوانين انتخابية معيبة لحلول اقل ضرراً؟!

__________________

لعل العديد انتقد القانون الذي صدر من مجلس النواب ووصفه بالمعيب وطالب بقاعدة توافقية رصينة , ورغم ان هذه الدعاوي ووجهات النظر تحمل وجاهة بالعموم وشيئ من الواقعية  الا ان  الاشكال الأكبر تمثل في ان  بعض المُطالبين بالقاعدة التوافقية وعلى رأسهم المجلس الأعلى للدولة برئاسة المشري , كانوا هم العصا التي عطلت عجلة  التوافق على قاعدة دستورية فمن العجب رؤيتهم يطلبون شيئ رفضوه سابقا , فالمجلس الأعلى للدولة يرفض الانتخابات الرئاسية جملة وتفصيلا سواءً بقاعدة توافقية أو من غيرها وهم يعارضون بشدة فكرة وجود رئيس ويناورون لأجل اما تعطيل الانتخابات والذهاب للديمقراطية التوافقية بدلا من الديمقراطية الانتخابية أو الذهاب لانتخابات برلمانية فقط أو انتخابات رئاسية كقائمة تحتوي رئيس ونائبين ورئيس حكومة والتي بدورها تنذر بخلاف مؤقت حيث لا سلطان على رئيس الحكومة لا من البرلمان ولا من رئيس الدولة لأنه منتخب شعبيا وهذه كلها  مخالفة واضحة وصريحة بل وانقلاب متكامل الأركان على خارطة الطريق التي وقع عليها في تونس ما يزيد عن ثلاثة عشر عضوا من المجلس الأعلى  والتي نصت  صراحة  على اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.  فلذلك وجدنا أنفسنا  في ملتقى الحوار مكرهين على دعم قانون نعلم جيدا أنه ليس بالقانون الجيد بل ونعلم أن واضعوه في مجلس النواب أرادوا به تعطيل العملية ولكن لم يكن لدينا ولدى الجهات الداعمة للانتخابات أي خيار للذهاب للانتخابات سوى التعامل مع هذا القانون ومحاولة تحسينه اعتمادا على القوانين المحلية وكذلك  لأننا  لسنا في موطن رفاهية الاختيار و لاننا أيضا نعلم جيدا المآلات الخطيرة في حالة  تأجيل أو الغاء الانتخابات وكما يعلم كل المتعاطين مع المشهد الليبي أنه كل ما كان هناك نزاع على الشرعية حصلت حرب في ليبيا  وهذا ما سيحدث اذا ما تأجلت الانتخابات أو الغيت، للأسف  في ليبيا نتحرك حسب الاحتمالات والانتخابات تمثل الاحتمال الأقل ضرارا.

 

الانتخابات بين الالغاء والتأجيل

___________________

عند فتح بابا الترشح للانتخابات الرئاسية و البرلمانية قدم  ما يقارب  98 مترشحا اوراقهم للمفوضية العليا للانتخابات من بينهم سيف الإسلام القذافي نجل  معمر القذافي زعيم النظام السابق  و رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة و  ًنتيجةً لإعلان المفوضية القائمة الأولية التي اسقطت منها بعض الأسماء نتيجة لمخالفتهم لمواد معينة في قانون الانتخابات , ذهب الذين تم اسقاطهم من القائمة  للمحكمة وقاموا بتقديم  طعون ضد قرار اسقاطهم وعاد الجميع بما فيهم سيف الاسلام القذافي وهو ما وضع المفوضية تحت حرج كبير داخلي نتيجة لرفض القوة الثورية لعودة النظام السابق لسدة الحكم  وحرج خارجي لأن سيف لاسلام القذافي مطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية فذهبت المفوضية للاستئناف  ضد عودته للسباق الانتخابي ,  ولان الطعن مقدم في سبها كان لزاما على المفوضية بحسب قرار المجلس الأعلى للقضاء الذهاب لسبها للاستئناف و لكن و بحسب المفوضية تم منع المحام الخاص بها من استكمال اجراءات الاستئناف هناك وهو ما وضع العملية أمام عائق لا يمكن تجاوزه وهو ما دفع المفوضية للتأجيل لحين الفصل في الطعونات والاستئناف الامر الذي لم تظهر ملامحه بشكل واضح حتى الان ولا نعلم اذا ما كان هناك خطوات واضحة يتم اتخاذها بعد الإعلان عن التأجيل تجنب البلاد مزيدا الازمات او ربما حتى مزيدا من الحروب القادمة !

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de