23.06.2021

أبرز الأخطاء الاتصالية خلال جائحة كورونا وتبعاتها

بدأت أخطاء الإعلام والاتصال في التعامل مع جائحة كورونا مبكرا، عندما تسابق الإعلام على عرض أخبار حول نظرية "الخفاش" في الصين أو كون اللقاح مصنع مخبريا.

بدأت أخطاء الإعلام والاتصال في التعامل مع جائحة كورونا مبكرا، عندما تسابق الإعلام على عرض أخبار حول نظرية "الخفاش" في الصين أو كون اللقاح مصنع مخبريا أو حينما بثت وكالات الأنباء أخبارا  حول مواطنين هولنديين وبريطانيين يهاجمون أبراجا لخدمات 5G لاعتقادهم أن موجات الميكروويف وترددات الاتصال هي سبب فيروس كورونا، بدلا من التركيز على التوعية بحقيقة الجائحة!  

في داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ظهر التفاوت في سرعة التلقيح، بين دول مثل الإمارات والبحرين، ودول مثل مصر، العراق، تونس والأردن، والتي ضاعف ما عرف بـ"تردد اللقاحات" في ضعف الرغبة بشكل عام في هذه الدول، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة من يرغبون في تلقي اللقاح في الأردن مثلا تقل عن الثلث! ما اعتبره مراقبون عائد في الأساس إلى أزمة ثقة في الحكومات.

ورغم خفوت حدة نظريات المؤامرة سابقة الذكر كالخفاش وشبكات الجيل الخامس عالميا، إلا أن صداها في المنطقة يتردد حتى الآن، إضافة لنظريات مؤامرة أخرى كنظرية شريحة التتبع التي تزرع في أجساد متلقي اللقاح من قبل بيل غيتس، ونظريات مؤامرة أخرى تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ذات جذور عنصرية ومعادية للسامية مثل أن جميع مدراء شركات اللقاحات يهود. ما أسهم في ضعف الإقبال لأخذ اللقاح في دول لم توفر كميات معتبرة منه في المقام الأول. بل وبعض هذه الدول كتونس، والتي لم تقم بأي حملة اتصالية لتشجيع خذ اللقاح ما تزال تضع لافتة تحذيرية في مطار تونس الدولي تفيد بعدم توفر لقاح للمرض حتى الآن!

منذ بداية عملية إنتاج اللقاحات وتسابق الدول الغنية على شراء مخزونات منها تفوق عدد سكانها، أبدى العديدون قلقهم من عدم العدالة في توزيع اللقاحات، بعد أن قامت بضعة دول متقدمة بشراء أكثر من ثمانين في المئة من اللقاحات في العالم، بمعدل 10 جرعات لكل كندي على سبيل المثال، فيما لن تتمكن الدول السبعين الأقل دخلا في العالم من تطعيم أكثر من 10 في المئة من سكانها، بحد أقصى.

أنتجت عدد من الدول الكبرى بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية آلية ومبادرة "كوفاكس" لضمان توزيع "عادل" للقاحات على الدول النامية والأكثر فقرا، ورغم جهود كوفاكس بهذا الخصوص، إلا أنه ما زال التفاوت في نسب آخذي اللقاح عالميا في اتساع، إذ حتى بداية شهر يونيو الحالي، تم تلقيح أكثر من نصف السكان في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات وإسرائيل، والتي استعملت ما عرف بـ"دبلوماسية اللقاحات" لتوزيع لقاحات على حلفائها في دول مثل هندوراس والتشيك، فيما يعاني أكثر من 6 ملايين من الفلسطينيين، والذين يرزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي من نقص اللقاحات. وبالمثل، تقل النسبة في بعض البلدان إلى بضع عشرات من المطاعيم في كامل الدولة!

في جائحة عالمية نحتاج لمقاربات وحلول عالمية

عالميا، قامت الحكومة الفيدرالية في الهند، البلد التي تنتج عادة نسبة كبيرة من لقاحات العالم، بإيقاف تصدير لقاحات كورونا عندما ازدادت الحالات في الهند بشكل جنوني، في ذات الوقت الذي تشتري الدول الغربية لقاح أسترازانيكا البريطاني، والذي يتم تصنيعه في مصانع هندية وتحظر استعماله. بعد أن أدى التخبط في الاتصال حول الآثار الجانبية والتجلطات التي يتسبب بها لقاح أسترازانيكا لما نسبته 4-6 لكل مليون متلقي له إلى عزوف واسع في الإقبال عليه، فضلا عن التشكك في جملة منظومة التلقيح، ما يعني استمرار الجائحة لوقت أطول واحتمال ازدياد خطرها.

حذرت منظمة الصحة العالمية مرارا من هذا التفاوت، ودعت لتوزيع أكثر عدلا للقاح، فيما قالت كوفاكسفي نداء عاجل صدر مؤخرا إنها بحاجة إلى ملياري دولار إضافية بحلول 2 يونيو/حزيران لكي تتمكن من تأمين لقاحات لثلاثين في المئة من السكان في 92 دولة فقيرة.

ثم جاءت مسألة معارضة عدد من الدول وعلى رأسها فرنسا وألمانيا للرفع المؤقت لبراءات اختراع اللقاح التي طالبت بها دول كالهند وجنوب إفريقيا من أجل تسريع إنتاج اللقاحات، لكن فرنسا عرضت في المقابل تقديم "هبات" لصالح الدول الفقيرة.

من المؤكد أن الدول المتطورة ستكافح هذه الموجة من جائحة كورونا بإمكانيتها وباللقاحات المتوفرة لديها، لكن حاجة الشركات المنتجة للقاحات المستمرة على التأكيد أن لقاحها فعال تجاه تحور نتج في الهند مثلا، يدل على شيء واحد فقط، وهو أننا لا نعلم إذا كانت اللقاحات ستعمل بفاعلية على كل التحورات التي ستطرأ مستقبلا على الفيروس. كيف نوقف التحورات إذا؟ بتلقيح جميع سكان الكوكب، لا سكان بلداننا فحسب. إلا إذا قررت الحكومات إبقاء الإغلاقات للحدود لسنوات قادمة أخرى.

ما سبق أعلاه قاد إلى الفشل الاتصالي الأهم، والذي جاء في الرسالة التي لم تقصد الحكومات في الدول المتقدمة إرسالها، ولكن آليات تعاملها مع مسألة اللقاحات قادت إليها، وهي أن حياة سكان الدول النامية ليست مهمة، ما دمنا في الدول المتقدمة قادرين على "حماية أنفسنا".

لا سبيل لإيقاف هذه الجائحة بمواصلة العمل بنفس السبل والآليات التي أسهمت في خلقها وتفاقمها، ولن يكون الضوء في نهاية النفق حكرا على جزء من العالم دون سواه، فإما أن نخرج جميعا من هذا النفق بالتضامن، أو أن نبقى فيه معا لفترة أطول.

 

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de