04.01.2021

ديموقراطية بلا أحزاب سياسية؟

تواجه الديمقراطية البرلمانية في تونس ضائقة شديدة، ويمكن لأفكار الرئيس قيس سعيد الراديكالية أن تفسد النظام السياسي.

عندما أُطيح بزين العابدين بن علي من منصبه، كان لدى التونسيين متسع من الوقت للتعود على الديمقراطية البرلمانية. وبعد ست انتخابات وطنية ومحلية "حرة ونزيهة"، يُنظر إلى تونس على أنها ديمقراطية راسخة وفعالة. إلا أن ممارسة الانتخاب لم تفضي إلى الاعتياد.

ولا يبدو أن التونسيين متعلقون جدًا بالديمقراطية الحزبية التي حصلوا عليها بشق الأنفس. بل على العكس، إذ أن تأييد الأحزاب السياسية والنظام البرلماني يستمران في الانحسار. وتكشف استطلاعات الرأي أن 9 في المئة فقط من السكان يثقون بالأحزاب السياسية و15 في المئة فقط في البرلمان. ويُظهر الشباب -على وجه الخصوص- ضعف تأييدهم على الرغم من أن الكثير منهم نزل إلى الشوارع في عام 2010 للتظاهر من أجل الديمقراطية. فكيف أصبحوا ساخطين بهذه السرعة؟

من الواضح أن الديمقراطية في تونس لم تحقق المطالب الأساسية للثورة. وينظر العديد من التونسيين إلى وضعهم الاجتماعي والاقتصادي الحالي على أنه أسوأ مما كان عليه قبل الثورة، سواء اعتبروا ذلك جراء نقص الوظائف وآفاق المستقبل أو الفوارق الاجتماعية والإقليمية المستمرة. ما يعني أنه يجب على الأنظمة السياسية التي تفرز مثل هذه النتائج الكارثية أن تواجه تحديات لشرعيتها.

يضاف إلى ذلك ما يمكن وصفه بعدم الارتياح العام للعملية السياسية. بعد سنوات من الجمود السياسي، وتم كشف زيف عملية "صنع القرار الديمقراطي" إلى حد كبير.

يُنظر الآن إلى الأحزاب على أنها أداة تعمل على إدامة هياكل السلطة بدلاً من تمثيل إرادة الشعب. ويرى العديد من التونسيين الأحزاب السياسية على أنها مثال للفساد والمحسوبية.

كل ما سبق هو أرض خصبة لزيادة شعبية المفاهيم التي يمكن أن تخلق نتائج ثورية مثل أحداث 2011. ويروج قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري الذي ترشح للرئاسة كمستقل وحقق نصرًا مفاجئًا لهذا. تولى الرئيس سعيد منصبه منذ أكتوبر 2019، وهو السياسي الأكثر شعبية في تونس حتى الآن.

يعود انتصار سعيد الانتخابي إلى حملته الشخصية وغير المشروطة ضد الفساد ورسالته حول الإصلاح الجذري للنظام السياسي وإلغاء الديمقراطية الحزبية. لسنوات، ادعى سعيد أن الأحزاب السياسية هي من مخلفات الماضي و "محكوم عليها بالموت". ويتقبل الشباب بشكل خاص نموذجه للديمقراطية المباشرة، حيث يتم انتخاب الأفراد، لا الأحزاب، على جميع مستويات الحكومة. وسيشمل النظام الجديد مجالس محلية واستفتاءات ويرأسه الرئيس. هذه الأفكار ليست جديدة تمامًا على المنطقة فهي تذكرنا جدًا بالجماهيرية الشعبية الليبية بقيادة معمر القذافي، على الرغم من افتقار سعيد إلى مقاربة القذافي الدينية والصوفية.

سيكون من السهل رفض هذا النموذج باعتباره غير عملي والإشارة إلى الشعبوية كخطر واضح وحاضر. لكن لا ينبغي استبعاد أفكار سعيد. يوضح نجاحه الأزمة العميقة لشرعية الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. ولا ينبغي لأي شخص أن يغمض عينيه عن الحقيقة المذهلة المتمثلة في أن أستاذ القانون المتقاعد يحفز الشباب أكثر من جميع الأحزاب السياسية المسجلة البالغ عددها 226 في تونس معًا. إن الدعم المؤكد لسعيد من الاتحاد العام التونسي للشغل القوي يعني أنه حتما سيكون هناك حديث عن إجراء استفتاء لإصلاح الدستور. ومن المؤكد أن مثل هذا الاستفتاء سوف يأتي بنتائج جيدة بالنسبة لسعيد.

لم تفهم الأحزاب السياسية التونسية بعد أن وجودها على المحك. وإذا لم تتمكن الأحزاب وقياداتها من تحقيق أي نجاحات ملموسة قريبًا، فإن وضعها سيتدهور أكثر. تتطلب مواجهة أفكار سعيد الراديكالية إجراءات راديكالية مماثلة. ومن الواضح أن الانتخابات المنتظمة لا تضمن المشاركة السياسية الكافية. ويتطلب ضمان مستقبل الديمقراطية البرلمانية في تونس العمل على تعزيز المشاركة الاجتماعية والاقتصادية من خلال إعادة التوزيع وتفكيك الكارتلات.

###

هنريك ماير باحث في السياسة ودراسات الشرق الأوسط، ويرأس مكتب تونس في مؤسسة فريدريش إيبرت منذ عام 2015.

هل ترغب بالمساهمة في هذه المدونة

شارك أفكارك مع فريقنا عبر البريد الإلكتروني

info.mena@fes.de